خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

من أراد أن يصلح جميع المرافق الحكومية فليصلح حال شركـة كمران؛ ليس لأنها شركة رائدة وعملاقة وتمثل إحـدى أهــم الجهات الرافدة لخزينة الدولة فقط، بل لأنها جمعت بين كل جوانب الفساد المالي والإداري، فكل ما يمكن أن تتخيلوه من فشل وفساد يحدث في هذه الشركة.
عندما شعر الرئيس الشهيد صالح الصماد (سلام ربي عليه) بأن شركة كمران تعاني من الفساد والعبث وتسير نحو التدهور، وجه بإيقاف صرف كل المساعدات والدعم والمعونات تحت أي مسمى كان، واشترط ألا تتم أي نفقات إلا بتوجيه من رئيس المجلس السياسي الأعلى، فكان إجراء مهماً لمساعدة الشركة على النهوض والتخلص من أزمتها التي لم تكن خانقة كما هي اليوم، وهذا معناه أن كل النفقات التي تمت خارج إطار المرتبات منذ صدور التوجيه جميعها صرفيات مخالفة، فما بالكم بالإسراف والمبالغة والنهب؟!
وفي إطار آخر، من المعروف أن جزءاً بسيطاً من الأرباح يجب ألا يتجاوز 2% يصرف منه المساعدات والهبات والمنح والمعونات. وما دامت الشركة لا تحقق أي أرباح فالصرف لتلك الأغراض يعني استهلاكاً لرأس المال اللازم لاستمرار عمل الشركة: "الضمار"، (كالنار، تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله).
العدوان من جهة حجز المواد الخام. والعبث والفساد والفشل الإداري ساهم وساعد في تدمير الشركة من جهة أخرى، وكأن قيادة شركة كمران أداة من أدوات العدوان، بدلا من أن تكون سلاحاً ودرعاً مقاوماً وعاملاً مساعداً لنهوض الشركة.
تفسير ما تفعله قيادة الشركة بالغباء أو قلة الخبرة وسوء الإدارة نظرة قاصرة. والحقيقة أنها قيادة تتعمد تدمير الشركة وموكلة بهذه المهمة. وحتى أكون منصفا في طرحي سأذكر لكم بعض الأمثلة:
1 ـ تخيلوا أن قيادة الشركة حررت مذكرة إلى أعضاء مجلس الإدارة في أغسطس 2020 تخاطبهم فيها بأن الشركة لا يعنيها مصنع السجائر في الأردن ولا شأن للشركة به. هذا معناه أن الشركة تتخلى عن استثمارها في الأردن في حين كان يجب أن تزيد قيادة الشركة تمسكها وتشبثها بهذا الاستثمار وتطالب بحق الإدارة، كون المصنع في إطار الإنتاج وقد تجاوز مرحلة الإنشاء.
بمعنى آخر، بعد أن انتهت الشركة من تأسيس مصنع الأردن وبدأت مرحلة الإنتاج قامت قيادة الشركة بمنح شرعية الفنادق هذه الجائزة على طبق من ذهب تحت غطاء الحرص على عدم الخسارة في أي استثمار. والغريب أن قيادة الشركة بررت مذكرتها التي أعلنت فيها استغناءها من خلالها عن استثمارها الذي بلغت تكلفته 18 مليون دولار، بررته بأن ذلك تم بناء على طلب من أحد أعضاء مجلس الإدارة، وهو نائب وزير التجارة والصناعة. وهنا نطالب نائب الوزير بتحديد موقفه من هذا الإجراء وتوضيح الأسباب والدواعي لاتخاذ هكذا إجراء بشكل فردي.
جدير بالذكر أن قيادة الشركة لطالما تغنت بهذا الاستثمار عبر أكثر من وسيلة إعلام وفي أكثر من مناسبة وعبر منشورات فيسبوكية لم يمر عليها أشهر.
وإليكم مثالاً آخر: تستورد الشركة قطع الغيار والمعدات الخاصة بخطوط الإنتاج من شركة ألمانية باعتبارها الشركة المصنعة. وفي العام الماضي 2019 قامت الشركة باستيراد بعض قطع الغيار بمبلغ 65 ألف يورو تقريبا. وبعد أن قامت قيادة الشركة بإجراء تغييرات في مناصب حساسة جدا داخل الشركة، من بينها الشؤون المالية وإدارة المشتريات وإدارة التزويدات، وصل إلى الشركة إيميل (رسالة بالبريد الإلكتروني) مجهول المصدر، محتواه عبارة عن طلب تحويل قيمة قطع الغيار الخاص بالشركة الألمانية إلى إسبانيا وإيداع المبلغ في الحساب الموضح في الرسالة (على اعتبار أن الشركة الألمانية هي من أرسل هذا الإيميل كتنبيه وإشارة بأنهم غيروا رقم حسابهم والبنك الذي يتعاملون معه وهذا لم يحدث منذ 40 عاماً).
طبعا بالنسبة لي، وأنا لست حتى موظفاً في الشركة، إذا عرضوا عليَّ هذه الرسالة أول ما سيتبادر إلى ذهني هو الاتصال بالشركة الألمانية واستفسارهم عن صحة الرسالة وسؤالهم بكل وضوح: هل قمتم بتغيير رقم حسابكم وطلبتم منا إيداع المبلغ المستحق إلى هذا الحساب الجديد؟ مجرد استفسار فقط لن يكلفني أكثر من اتصال، وهذا سيوفر الوقوع في فخ النصب والاحتيال.
لكن قيادة الشركة (التي تتمتع بالخبرة لما يقارب 30 عاماً) قامت مباشرة بمخاطبة بنك اليمن والكويت لإيداع المبلغ في ذلك الحساب.
الغريب في الموضوع أنه على ما يبدو اختلف النصابون والمحتالون الذين أطلقت عليهم الشركة اسم "هكر"، مما اضطرهم إلى إرسال إيميل آخر يطالب بإرسال المبلغ إلى حساب آخر، ومع هذا لم تشكك قيادة الشركة في الأمر وبادرت بإرسال مذكرة أخرى إلى بنك اليمن والكويت لإرسال المبلغ إلى رقم الحساب الآخر، وفي الأخير اتضح أن الحكاية نصب واحتيال (قام بها أغبى "هكر" في العالم، كمغتالي خاشقجي الذين سموا مؤخرا أغبى القتلة)، وأن الشركة الألمانية لم تغير رقم حسابها ولم تستلم المبلغ المرسل إلى إسبانيا، وبالتالي فإن شركة كمران لم تدفع المبلغ المستحق حتى يومنا هذا ولا يزال ضمن الالتزامات الحتمية واجبة السداد.
أرجوكم، لا تسيئوا الظن أكثر من اللازم، ولنعتبرها ضياعاً متعمداً لرأس مال الشركة، وليس نهباً شخصياً!
وحتى لا نكون من المتسرعين أو ممن لا يتبينون، وجب سرد أمثلة أخرى بمصداقية متناهية. تخيلوا كم يمكن أن يكون عدد التعيينات التي أجرتها قيادة الشركة خارج إطار الهيكل الوظيفي!
خمسون تعييناً (تقريبا) والتعاقد مع ثلاثة مستشارين براتب 2000 دولار لكل مستشار (مستشار لا يستشار، وإنما مصالح وعلاقات شخصية). أما عن التوظيف الجديد فحدث ولا حرج.
رزمة إخفاقات وفشل وفساد مالي وإداري لم يحدث في أي مرفق من قبل. والسبب هو غياب الرقابة، الذي جعل قيادة شركة كمران تمدد ولا تبالي. ومن كثر التمدد وصل الأمر بالقيادة إلى ما يمكن أن أسميه "التعاون المشترك مع المهربين"، فقد عقدت قيادة الشركة اتفاقاً مع أحد المهربين لإدخال شحنة عبوات فارغة (علب سجائر فارغة خاصة بما ينتجه مصنع كمران من سجائر)، وأول ما وصلت الشحنة إلى منفذ شحن قامت إدارة المنفذ بتجنيبها والتحرز عليها باعتبارها بضاعة وماركات تخص شركة كمران، وبالتالي لا يمكن لتاجر استيرادها، وهنا برزت الشركة بكل خجل لإبلاغ المنفذ بأن البضاعة خاصة بها (مع عدم تحديد الأسباب التي تجعلهم يدخلونها باسم أحد التجار أو المهربين).
وبعد أكثر من عام على التفاوض مع المعنيين في المنفذ، وبعد أن تلفت البضاعة تمكنت الشركة من إدخال الكميات المحتجزة، وليتهم أحرقوها ولم يدخلوها، لأن استخدامها في التصنيع وهي تالفة (بحسب تقرير لجنة الفحص) سيعتبر قراراً كارثياً، وأعتقد أن هذا هو المراد والمطلوب، فكما سبق وشرحت لكم أن الشركة تتعرض لتدمير ممنهج ومدروس.
بإمكاني سرد عشرات الأمثلة والقصص المشابهة، والتي في مجملها أدت إلى انهيار الشركة، لكنني أخشى تجمع الغلابة في ميدان السبعين مطالبين بالقصاص والتعزير لقيادة الشركة وداعميها، لاسيما وأنها جرائم موثقة تحكي قتل وتدمير وطن.
دمتم بخير وإلى اللقاء مع العدد الرابع، والذي بإذن الله سنستعرض فيه جوانب أخرى من الإخفاق والفشل، جوانب في قمة الأهمية، كما سنستعرض عدة حلول من شأنها انتشال الشركة من السقوط الوشيك.

أترك تعليقاً

التعليقات