اليمن في مواجهة مباشرة مع الشيطان
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
قرأت وسمعت بيان القوات المسلحة اليمنية الصادر يوم الأحد 23 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وتخيلت الموقف وتفاصيل المعركة، وشعرت كأنني أشاهد فيلما خياليا.. وهنا عجزت الكلمات والأحرف عن وصف ما يحدث من معجزات، لكنني سأحاول الاقتراب من الوصف بالقدر الممكن.
في البداية ما يجب أن نعرفه هو أن التميز اليمني لم يكن بالقفزة النوعية التي حققها التصنيع الحربي اليمني وبنوعية السلاح فقط، وإنما أيضا بالجرأة على اتخاذ القرار، فاليمن بفضل الله عز وجل خامس دولة تمتلك صواريخ فرط صوتية، لكنها أول دولة تطلقها على أعداء الله وأعداء الإنسانية.
اليمن ضمن بضع دول توصلت إلى الجيل الثالث من الأسلحة المقاومة للسفن (الصواريخ الباليستية الموجهة ضد السفن)، والأهم هو أنها أول من يطلقها ضد بوارج وفرقاطات وحاملات طائرات أمريكية.
اليمن ضمن بضع دول تمكنت من تقليص مدة إطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة من ساعة ونصف إلى عشر دقائق ثم إلى دقيقة ونصف ونحن، وهي أول من يطلقها على الكيان الصهيوني المحتل.
بمعنى أن اليمن قبل أن تحصل على السلاح "تحديثا وتطويرا وتصنيعا" منّ الله عليها بقائد يتمتع بما لا يتمتع به غيره من الصفات، فلديه حكمة وشجاعة وإيمان وإنسانية وقيم ومبادئ سوية وثقة مطلقة بالله عز وجل، بالإضافة إلى جرأة على اتخاذ القرار، واستقلالية في اتخاذ القرارات، والاستقلالية هنا لا تعني عدم الاستشارة بالعكس هناك فرق استشارية من خبراء ومتخصصين، بل تعني أنه ليس قائدا مسيّرا من دول أو جماعات، وغير متعصب عنصريا، ولم يكن ضمن البرنامج الأمريكي البريطاني الصهيوني لصناعة الحكام.
عندما واجهت اليمن تحالف العدوان بقيادة السعودية ومن خلفها التحالف الغربي ظن الكثير أن مشاهد احتراق "أرامكو" كفيلة برفع الراية البيضاء، لاسيما بعد أن أثبت قواتنا للسعودية والإمارات أن لا عاصم لمنشآتهم من صواريخ اليمن، إلا أن الموضوع استمر ولايزال في مهادنات ومغالطات وتسويف ومماطلات.. لماذا لم يحلوا الموضوع ويحصلوا على صك أمان وتأمين؟
هناك شيء لم تتمكن قوى عظمى مناوئة لأمريكا حتى من الاقتراب من إنجازه؛ وهو إسقاط هيبة وهيلمان أمريكا وكسر شوكتها، بينما تمكن اليمن من فعل ذلك في حرب السعودية وتحالفها، لأن اليمن لم يكن في مواجهة مع السعودية والإمارات فقط، وكان من المعروف حجم الدعم اللوجستي والسياسي والتأييد الأمريكي والبريطاني والفرنسي بل والعالمي ولكل من لهم مصالح مع دول تعوم على بحور من النفط، بمعنى أن مجرد مقاومتنا وعدم تمكين السعودية من تحقيق كل أهدافها وعجز أحدث منظومات الدفاعات الجوية الأمريكية عن حماية المنشآت السعودية، وتحول المعادلة من الهجوم إلى الدفاع ومن المد إلى الجزر والتقهقر يعني أن اليمن انتصر وهو لم ينتصر على السعودية فقط، وهذا كفيل بسير كل مستضعفي الأرض على خطى اليمن، بمعنى أن اليمن سيصبح أول نموذج عربي للتحرر والاستقلال، ولهذا أرادوا أن يكون المخرج هي المفاوضات الشكلية وليس الهزيمة والانكسار، ولأن لدينا قائدا ربانيا نورانيا لم يتعامل بغرور وعنجهية ولم يفرض شروط المنتصر وقبل بالمفاوضات لتكون مخرجا وصلحا وطريقا إلى سلام مشرف مع دولة عربية وإسلامية، وفي كل مكر للعدو فائدة للمؤمنين (لطف خفي) حيث كانت الهدنة سببا في نجاة منشآت السعودية (ولربما ذلك أيضا فيه خير للأمة باعتبارها مقدرات عربية وإسلامية)، ومن جانبنا مع استمرار الهدنة استمرت عملية إنهاكنا اقتصاديا وإغلاق المطار واستمرار الاحتلال، لكن الهدنة كانت سببا في الارتقاء بالتصنيع الحربي وإحداث قفزات ما كانت لتحدث في ظل انشغالنا بالحرب وحدثت بعد أن توفر الوقت والمال إلى جانب الإرادة والعزيمة والإصرار.
وكأن الباري قادنا لهذه الهدنة لنتهيأ ونتحضر ونستعد للمعركة الكبرى والانتقال من مواجهة أدوات الشيطان إلى القتال المباشر مع الشيطان نفسه، وبدأت المعركة بإسناد الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة في قطاع غزة من قبل العدو الصهيوني ورعاته الغربيين.
استعداد اليمن للمعركة الكبرى وصل مراحل متقدمة عسكريا، ومع هذا التقدم هناك نجاح وتفوق في التكتيك الحربي بعد الاستفادة من كل الضربات السابقة ضد العدو، فمثلا: عرفنا كيف يمكن استهداف وإصابة البوارج والفرقاطات وحاملات الطائرات التي لم يسبق لأي قوى استهدافها وإصابتها وإجبارها على الهروب والفرار من المنطقة، وذلك من خلال استخدام ضربات تمويهية وأخرى لاستنزاف أنظمة الدفاع، وثالثة تصيب الهدف، بمعنى أننا أجدنا تحديد العدد المناسب للسلاح المناسب في التوقيت المناسب لكل دفعة من الضربات (تكتيك زمني لتحديد وقت انطلاق ووصول الأسلحة، ونوعي من حيث نوع السلاح المستخدم في كل دفعة من الضربات، ومن حيث العدد لكل دفعة ليؤدي ذلك بمجمله إلى نجاح العملية).
وكمثال آخر، تمكنا سابقا من إفشال أكبر عملية استهداف جوي لليمن من خلال ضربات استباقية، وهذا يشكل نجاحا استخباراتيا إلى جانب النجاح في التكتيك، علما أن بوارج أمريكا وفرقاطاتها لجأت لحيلة الدخول ضمن أسطول بحري صيني للاحتماء من ضربات القوات اليمنية، وفق ما نشرته مواقع رسمية صينية، منددة بهذا التصرف باعتباره كان يمكن أن يؤدي إلى تصادم ومواجهة بين الأسطول الصيني والقوات اليمنية في حال أخطأنا التقدير وأصابت الهجمات قطعا بحرية صينية بدلاً عن الأمريكية، وقد نشرت المواقع الصينية أيضا الخرائط والصور المؤيدة للخبر.
وقبل ليلتين، تمكنت القوات اليمنية من إفشال هجوم أمريكي بريطاني على اليمن، وذلك عبر استهداف حاملة الطائرات "ترومان" والمدمرات المرافقة لها، وأسفرت العملية عن إسقاط طائرة (F18) وإجبار حاملة الطائرات على الانسحاب إلى أقصى شمال البحر الأحمر.
فهل تكتفي أمريكا بما قد حدث إلى الآن وتتخذ المسار الصحيح لإيقاف كل ما يحدث من خلال وقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات أم أنها ستستمر في غيها وتجبرها وغطرستها؟! رغم أن أمريكا أصبحت مهزلة بعد أن أثبت اليمن للعالم أن أمريكا وكل تحالفاتها وأحدث تقنياتها عاجزة أمام إركاع وإخضاع القائد اليماني ومن معه من المخلصين، بل إنها عجزت حتى عن حماية نفسها.
نعرف أن مسألة سقوط الهيبة والهيلمان صعبة لما لذلك من تداعيات، إلا أن لديهم مخارج تمكنهم من الإيهام بأن وقف الاعتداء على غزة وإدخال المساعدات لم يحدث لتجنب الموقف اليمني غير المسبوق، وإنما وفق تفاهمات ومفاوضات وجوانب إنسانية وما إلى ذلك من الشعارات التي لطالما ظهرت لتدارك السقوط والفشل الذريع.

أترك تعليقاً

التعليقات