خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
لا شك أن القضية الفلسطينية كقضية مركزية بالنسبة لنا كان لها الأولوية في الاهتمام والمتابعة، لاسيما في ظل تعاضد كل قوى الشر والظلام العالمية مع العدو الأزلي للإنسانية، المتمثل في الكيان الصهيوني، وبالتالي لم تكن المعركة مع الكيان المؤقت فقط، وكان لزاما علينا مواجهة كل طواغيت الأرض لنصرة فلسطين، ولو تخاذلنا لا قدر الله لخذلنا الله في معركتنا مع تحالف العدوان الذي يعد أيضاً جزءاً من التحالف المساند للكيان الصهيوني.
لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتأخير التغييرات الجذرية، وذلك بحسب ما صرح به السيد القائد في كلمته بمناسبة الهجرة النبوية. وقد أوضح السيد القائد الأسباب الأخرى، التي يمكن تلخيصها بالمحاور التالية:
• العمل على دراسة الهياكل والنظم والتداخلات في المهام والصلاحيات والتضخم الوظيفي وتشخيص مكامن الخلل وإعداد جداول التصحيح.
• غربلة كمٍّ هائل من أسماء المرشحين وفق دراستها والتحري بشأنها.
• التوجه نحو إعداد رؤية متكاملة لتصحيح القضاء باعتباره ضمن المرحلة الأولى.
هذه النقاط أخذت وقتا طويلا لإعدادها وتجهيزها بما يضمن إجراء التغييرات الجذرية بأفضل ما يمكن، وليس كما كان يتم من خلال تدوير النفايات من مكان لآخر كانعكاس وترجمة فعلية لما هو محكوم علينا بعدم الخروج من دائرة الفساد والفشل المتعمد بسبب التبعية التي عرقلت كل تصحيح وكل تقدم ممكن.
الأمر مختلف تماما هذه المرة؛ لسبب وحيد، هو أن من يشرف ويتابع التغييرات لا يرى نصب عينيه أي مصلحة أخرى غير مصلحة الشعب والوطن، وبما يرضي الله عزَّ وجلَّ، وليس بما يرضي النافذين أو الدول التي كنا نتبعها والتي حرصت على استمرار فقرنا وتخلفنا وعجزنا لنستمر بالاعتماد عليها في كل شيء حتى لا نستطيع الخروج عن طاعتهم وتبعيتهم.
هنا بفضل الله عزَّ وجلّ توفر لدينا الشرط الأساسي الذي سيقود التغييرات إلى المسار الصحيح. لكن العدو المهزوم عسكريا يعرف أن اختلالات الداخل تخدمه أكثر، لاسيما في ظل فشل الصواريخ والقنابل الذكية، وبالتالي فالتصحيح سيشكل هزيمة أخرى للعدو، وذلك سيتسبب في إحراق الكرت الأخير المتبقي لديه، وهو كرت الوضع الداخلي (الخدمي والمعيشي).
ومن هذا المنطلق سيسعى جاهدا لإعاقة هذه التغييرات، ولهذا نلاحظ بشكل جلي وواضح تكثيف الإجراءات العدوانية، اقتصاديا وماليا وكل ما يمس المواطنين، كلما اقتربنا من تنفيذ المرحلة الأولى للتغييرات الجذرية. لكن العدو تحركاته محدودة، ولا يستطيع أن يؤثر بقوة في ساحة هذه المعركة بدون تعاون من الداخل. وهذا التعاون قد يتم بقصد (بالتخابر مع العدو وتنفيذ أجنداته ومخططاته)، وقد يكون سببه تغليب المصالح الشخصية على العامة أو عدم الكفاءة، والغباء والعشوائية وغياب الرؤى والتخطيط... وفي الأخير النتيجة واحدة، وهي التدمير الذاتي من خلال إضعافنا من الداخل وإنهاك المجتمع وإثارة السخط الشعبي.
وبالنسبة للتخابر مع العدو فقد كشفت الأجهزة الأمنية عدة خلايا، وستعلن عن غيرها، ولا يزال هناك خلايا أخرى لم يتم اكتشافها بعد. هذا شيء جيد ويعيق مخططات العدو؛ لكن المؤامرة كبيرة، فاليمن بلد لم تغفل عنه أعين الطامعين، ولن يتركوه ينهض ويحصل على استقلاله بسهولة.
وإجراءات تجويع الشعب وإنهاكه لضمان إخضاعه لا تتم عبر الحرب الاقتصادية الظاهرة والمعلنة فقط، بل هناك أيضاً إجراءات مدمرة للوطن وقاتلة للشعب قام بها مسؤولون في الداخل، منها بشكل سري ومنها مغلفة بغطاء التنمية، وهي إجراءات متعمدة لخدمة العدو وليس لخدمة مصالحهم الشخصية فقط، ولا تقتصر على السير في طريق الإثراء غير المشروع. وأقول متعمدة لخدمة العدو لأنها لم تكن عبارة عن فساد مالي مهول فقط، مع أن الفساد وحده كفيل بتدمير أكبر وأعظم الدول، لاسيما في ظل انعدام مبدأ المساءلة والمعاقبة بالتوازي مع تفشي الجور والظلم والباطل، وفي ظل وجود قبة حديدية تحمي الفاسدين، فما بالكم عندما تؤدي الإجراءات إلى فساد مالي وخيم وتدمير ممنهج ومدروس ومخطط له بعناية؟!
فكيف لم نرَ ونشاهد اعترافات بأعمال تمت خلال فترة العدوان من شأنها نخر مؤسسات الدولة وإنهاك المواطن، رغم أن العدو كثفها منذ الاعتداء على اليمن، وكثفها أكثر منذ بدء معركتنا العظيمة مع الشيطان الأكبر. ورغم أنها واضحة ولا تحتاج إلا لجمعها وترتيبها ودراستها وتقييمها، فهل يعقل أن نكتفي بكشف خلايا خدمت العدو قبل عشرات السنين ولا نسعى لكشف من خدمه وما زال يخدمه حاليا؟!
فمثلا كيف يمكن ألا تلتفت الجهات المعنية لما فعله أحد وزراء تصريف الأعمال عندما قام بتكليف وكيل قطاع العلاقات الخارجية في وزارته بالنزول إلى عدن لمناقشة مسألة الدين الخارجي، وبمجرد وصول الوكيل إلى عدن انضم إلى حكومة الخونة، ورغم ذلك لم يقم الوزير بإلغاء توكيله أو ترشيح أو تكليف بدلا عنه، ولم يعلن أنه لم يعد يمثلنا، وبهذا استمر الوكيل في التوقيع بالموافقة على كل قروض البنك الدولي باعتباره ممثلا لنا وما زال حتى هذه اللحظة يفعل ذلك، علما بأن الدين الخارجي كان قبل العدوان سبعة مليارات دولار تقريبا، وقد أصدر البنك الدولي تقريراً يفيد بأن حجم القروض الممنوعة لليمن وإرسالها التراكمية ستصل إلى سبعة وأربعين مليار دولار بحلول العام 2025، ولن نستطيع أن نتنصل عنها؛ لأن ممثلنا المكلف رسميا من وزيرنا كان ولا يزال يوقع موافقات عليها.
وكيف يمكن أن يتجاهل المعنيون بالرقابة المالية والأمنية والتقييم مشاريع التعديلات القانونية التي قدمها أحد الوزراء إلى مجلس النواب والتي من شأنها إنهاك المواطن وإثارة السخط الشعبي ضد الدولة والحكومة وضرب الحاضنة الشعبية؟! ومنها مشاريع تعديلات قانونية خاصة برسوم ضرائب ورسوم جمركية لنتمكن من رفعها وضرب المسمار الأخير في نعش الشعب المنهك أساسا من ارتفاع الأسعار وشحة وانعدام الدخل، والمحارَب من العدوان في رزقه ولقمة عيشه وقوت يومه، وتعديلات تؤدي إلى استئناف استيراد البن الأفريقي ولما لذلك من آثار كارثية في غش البن اليمني المُصدّر، والتأثير في التسويق الداخلي وفي تخفيض دخول العملة الصعبة الناتجة عن تصدير البن المحلي... وأضرار أخرى؟!

كيف صمتوا عن البرنامج المعد والمنفذ من أحد وزراء تصريف الأعمال للسيطرة على إيرادات صناديق النظافة والتحسين بشكل يسهم في إعاقة كل المشاريع التنموية في المحافظات ويؤدي إلى استحواذه على جل إيرادات المحافظات وتسخيرها في تمرير صفقاته المغمورة بالفساد والفشل والتأمر وخدمة العدوان؟
كيف صمتوا على الوزير الذي تعمد إدخال كميات هائلة جدا من البضائع المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات والتي تضر بشكل كبير جدا بسلامة وأمن المجتمع؟
وكيف لم يلتفتوا إلى خطورة موضوع تحويل مبلغ سبعة ملايين دولار من بنك داخل صنعاء إلى حساب بنكي خارج اليمن وهو حساب خاص بالخائن عميل أمريكا أحمد عوض بن مبارك، بل وسجن الشخص الذي رفض التوقيع على التحويل لعام ونصف عام داخل صنعاء، بل وتسهيل دخول وكيل العميل بن مبارك إلى صنعاء وحمايته وجعله يقابل السجين الذي رفض التوقيع على تحويل المبلغ والجلوس معه ومحاولة إجباره على التحويل باستخدام الترهيب والترغيب وكل ذلك صدر فيه حكم من القاضية في محكمة الأموال العامة؛ سوسن الحوثي، وكل ذلك تم في زمن العدوان.
وكيف لم تلتفت الجهات المعنية للإجراءات المتطابقة مع مساعي العدو لإعاقة الاكتفاء الذاتي الزراعي، ومع أهمية هذا الملف نجد أن هناك مئات المشاريع المنفذة لحفر آبار جديدة وتعميق آبار سابقة وهذا مع شحة الأمطار أدى إلى جفاف لمعظم الآبار، لأن هناك عملية استنزاف المياه (للاستخدام الزراعي والصناعي وللاستخدام الآدمي) دون تغذية للمياه الجوفية في ظل الإغفال والإهمال والتجميد المتعمد لكل مشاريع الاستفادة من مياه الأمطار.
وإذا تم تنفيذ مشروع واحد ينفذونه بشكل منقوص بحيث لا يؤدي الغرض المطلوب، فنجد السدود لا فائدة منها في ري المزارع ولا في تغذية المياه الجوفية ولا تشكل أكثر من مكان لاحتجاز كميات ضخمة من المياه تتبخر يوما بعد آخر إلى أن تنتهي، ونجد الحواجز والقنوات والممرات المائية تكاد تكون منعدمة، وفي المقابل يتم حفر مئات الآبار في كل محافظة وتصوير الأمر وكأنه إنجاز، بينما هي مشاريع كارثية مادامت لا تشكل سوى عملية استنزاف وسحب من الرصيد بدون تغذية، وقد وصل هذا الإهمال المتعمد إلى ذروته، ولنا في إغفال وإهمال وتجاهل وتجميد الاستفادة من سائلة صنعاء أكبر مثال حي على ذلك، وبالمثل بقية المشاريع من حفر وممرات وحواجز وقنوات مائية، أما عن الآبار فهي بالمئات وبشكل متواصل، وهذا لا يمكن إطلاقا أن يكون عملا عشوائيا أو سببه الغباء أو الفساد المالي فقط، لأنه يسير تماما في نفس مخطط العدوان وبخطوات مدروسة ومحددة مسبقا.
فهل من يسعى لتنفيذ هذه المشاريع ويمولها من خزينة الدولة لا يعلم أن هناك مشاريع أخرى يجب تنفيذها لتجنب الجفاف وكحل بديل في المواسم التي تكون فيها الأمطار شحيحة أم أنكم تنتظرون اعترافات من يخدم العدو حاليا كما اعترف من قبلهم؟
وكمثال آخر في إطار الجانب الخدمي لم تقتصر مشاريع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية على الفساد المالي فقط، رغم أنه فساد بنسبة 100%، بمعنى أن إجمالي تكلفة المشاريع المنفذة هي أساسا تكلفتها نصف المبلغ، فمثلا لو أن إجمالي الإنفاق على هذه المشاريع هو 500 مليون دولار خلال ثلاثة أعوام فالتكلفة الحقيقية هي 250 مليون دولار فقط والباقي ذهبت إلى أرصدة هوامير الفساد وحماتهم ورغم هول الأمر إلا أنه لم يتم الاكتفاء بهذا، فالتدمير كان حاضرا أيضا إلى جانب هذا الفساد المفزع، حيث تخلل المشاريع عدة اختلالات فنية أدت إلى تعثرها وفي أحسن الأحوال يكون الناتج من الكهرباء أقل من النصف المفروض، بمعنى أن العشرة جيجاوات تنتج خمسة فقط وهكذا.
وفي الأخير حدث استنزاف رهيب لأموال الدولة ولم يجد المواطن أي استفادة من هذه المشاريع التي تمت على أساس أنها ستوفر له خدمة حكومية ممتازة وبسعر ميسر، ولكم في مشروع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في محافظة الحديدة بمنطقة الصليف بكل مراحله مثال حي على ما ذكرت، وهو مجرد مثال واحد لمئات المشاريع المنفذة عبر وحدة التدخلات المركزية وصندوق تنمية الحديدة وبنفس الاختلالات (فساد مالي جسيم واختلالات فنية تؤدي إلى فشل وتعثر المشروع)، فكيف تكررت هذه المشاريع في كل المحافظات بالعشرات بنفس الأسباب التي أدت إلى فشل المشروع الأول، ومن المعروف أن تنفيذ مشاريع بنفس الخطوات المؤدية إلى الفشل معناه تعمد تكرار الفشل وليس فقط تكرار النهب، فما بالكم لأن البضاعة مشتراة من شركة صهيونية ومقرها في دولة العدوان (الإمارات)، هل يمكن أن تكون كل هذه التجاوزات والمخالفات مجرد أخطاء عابرة وغير مقصودة، والمشكلة أن هذه المشاريع وغيرها من المشاريع المغمورة بفساد مالي كبير وفشل فني متعمد لاتزال مستمرة إلى الآن وبنفس الطريقة ونفس الشكل رغم إبلاغنا للجهات المختصة المعنية بالرقابة وبمحاربة الفساد.
مع العلم أن هناك رابطا وثيقا بين مشاريع حفر وتجديد الآبار ومشاريع الطاقة الشمسية، والمخطط والمنفذ واحد لها، وغيرها من المشاريع المدمرة للوطن والمستنزفة لخزينة الدولة والمغمورة بفساد لم يسبق له مثيل وفشل وخيم متعمد.
أيضا هناك جانب من شأنه أولاً إثقال كاهل المواطن، وثانياً إعاقة التنمية الممكنة.
فمثلا بالنسبة لعملية إثقال كاهل المواطن نجد أن هناك إجراءات قاتلة وأهمها رفع كثير من أنواع الرسوم الحكومية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رسوم التحسين التي تم رفعها بل مضاعفتها أكثر من عشرة أضعاف خلال عامين، واستمرت الزيادة، وذلك انعكس على كل السلع والمنتجات المحلية وتسبب بارتفاع أسعارها، ومن ناحية أخرى تسبب بمحاربة المنتجات المحلية وفي أحسن الأحوال تحويلها إلى منتجات رديئة لتخفيض تكلفتها لضمان تصريفها في ظل ضعف القوة الشرائية.

أما عن الإجراءات التي أدت إلى إعاقة التنمية فمنها مثلا لا حصرا عرقلة الترخيص لعشرات الطلبات لمشاريع في المنطقة الصناعية بالحديدة وفي المقابل تسهيل الترخيص لمصنع سجائر وبتسهيلات لم يسبق أن حدثت من قبل، فهل السجائر من الأساسيات التي نسعى إلى الاكتفاء الذاتي منها؟
وإن كان ذلك في إطار تخفيض فاتورة الاستيراد فلماذا لا يوجد مساع لتخفيض الفاتورة في مواد أخرى رغم تقديم عشرات الطلبات لمشاريع جبارة ومجدية ونافعة ومطلوبة للحصول على تراخيص؟
من يخدم العدو هم مرتكبو هذه الجرائم وليس من يسلط الضوء عليها إعلاميا ويفضح مرتكبيها ويعريهم بغرض التصحيح وليس التشويه بعد أن يكون قد أبلغ عنها للجهات المعنية ولم يجد أي تحرك إزاءها ووجد أنها أعمال مستمرة فاضطر للكتابة والنشر عنها، لأنه يعرف أن هناك من يخشى الإعلام ولا يخشى الله عز وجل، وأن التحرك سيتم بعد النشر لتغطية ومواراة الجيفة ولتجنب الفضيحة، وحتى لا يصل الموضوع إلى السيد القائد وليس للتصحيح، فمن يريد التصحيح سيتحرك بمجرد إشعاره بالموضوع وليس فقط بعد النشر الإعلامي خوفا على منصبه من الزوال.

الإعاقة من الداخل
هل تعتقدون أننا نفتقر للكوادر التي بإمكانها إعداد وتنفيذ برنامج تنموي متكامل بحسب الممكن والمستطاع يؤدي إلى التخفيف من الاعتماد في رفد خزينة الدولة على الجباية أم أننا مبتلون بمسؤولين يعيقون كل خطوات التصحيح لخدمة مصالحهم الشخصية وبالتالي لخدمة العدو؟
الإجابة معروفة والمسؤول الذي يفتقر للحلول هو مسؤول فاشل، والفاشل يضرنا مثل الفاسد، ومع ذلك بإمكانه أن يستشير ويجمع رؤى ومقترحات وحلولا ومعالجات إن كان يريد التصحيح فعلا، وإذا صلحت النية صلح العمل، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء المسؤولين هم أنفسهم من يعرقلون كل الحلول والمعالجات، بل ويعرقلون تنفيذ الرؤى والمقترحات التحديثية والتطويرية وذلك لأن أي حلول وتحديث وتطوير سيتسبب في وقف هبراتهم المليارية المهولة ويغلق عليهم منافذ وطرق الفساد، مثل تنفيذ برامج ضبط الإيرادات هي ليست برامج صعبة ولا معدومة، بل إنها متوفرة وسهلة التنفيذ، لكنها كما ذكرت ستتسبب بإيقاف مصالحهم الشخصية فغضوا الطرف عنها، بل وأعاقوا تنفيذها.
وفي الأخير يسعون جاهدين لإقناع السيد القائد بأن الخلل هو أساسا في القوانين والهياكل والتداخل والتشابك في الصلاحيات وفي التضخم الوظيفي وقصور النظم واللوائح وفي العمل العشوائي بدون تخطيط وأهداف وبرنامج عمل محدد مسبقا، وأن المؤسسات ملغمة بخدام العدو، وأن أي حكومة قادمة مهما كانت كفاءتها ونزاهتها فلن تستطيع فعل شيء في ظل هذه الاختلالات المعتقة.
وبالفعل نجد أنها اختلالات وقصور وألغام موجودة، لكن ذلك لم يكن السبب الرئيسي في وصول الوضع إلى مزر ومع الاستمرار وصل في بعض الجوانب إلى كارثي، ولم يكن من الضروري إشغال القائد بحلها قبل تشكيل الحكومة وما كان ذلك إلا بمثابة عذر ومبرر للإبقاء على المزرين لأطول فترة ممكنة، ومن ناحية أخرى لرفع العتب واللوم على الفاسدين والفاشلين ولمنحهم طوق نجاة باعتبارهم لم يكونوا سببا رئيسيا في كل الكوارث المؤسسية والمجتمعية الحاصلة، وبالتأكيد تلك المبررات لم تنطو على القائد، لكنه وضع في الاعتبار معالجتها حتى لا تكون أسطوانة مكررة للحكومة القادمة (حكومة الكفاءات).
فالأشخاص المسؤولون هم الخلل الأكبر، لأنهم أساؤوا التصرف وأعاقوا الحلول والتنمية والتحديث والتطوير وقتلوا الشعب وخدموا العدو بقصد وبدون قصد، وبتغييرهم وإحلال بدلا عنهم ممن يتمتعون بالكفاءة والنزاهة سيتم حل ومعالجة كل الإشكاليات المؤسسية، فالمسؤول الكفء والنزيه سيعالج كل القصور القانوني والإداري والمالي... و... إلخ عبر متخصصين وخبراء كل في مجاله، وسيحل كل إشكاليات الجهة التي يديرها وسيطهر المؤسسة من الخونة والمعرقلين وسينفذ أفكاره ورؤاه التصحيحية بل ورؤى وأفكار غيره من المستشارين، لاسيما في ظل منحه صلاحيات مطلقة بالتوازي مع تفعيل التقييم المستمر والرقابة الفاعلة، بينما الفاسد سيعيق التصحيح، لأن التصحيح سيغلق حنفية تدر له الكثير كل بحسب موقعه ومسؤوليته وصلاحياته.
وما فعله بعض المسؤولين خلال هذه الفترة كان مخالفا لكل القوانين والأنظمة واللوائح رغم ما فيها من قصور واختلالات، فلا يوجد قانون يشرعن لأي مسؤول الثراء الفاحش ولا يوجد قانون يجيز تنفيذ مشاريع تدميرية وفاشلة.

أكبر عقبة في طريق حكومة الكفاءات
أعتقد أن العقبة الأكبر التي ستواجه حكومة الكفاءات مالية واقتصادية، وذلك ليس بسبب العدوان وحسب وإنما أيضا بسبب ما زرعه البعض من عقبات وما ذكرته هنا مجرد أمثلة لكثير جدا من الوقائع والإجراءات التي تمت وبحصرها ودراستها والتمعن بها نجد أنها لم تكن للتكسب الشخصي فقط، وإنما لتدمير الوطن أيضا وخدمة العدوان.
ونقول للسيد القائد أن الشعب اليمني العظيم يؤيدك ويفوضك ومستعد أن يتحمل عقودا عجافا، ويكفينا فخرا وعزا وشرفا أنكم أوصلتمونا إلى مرحلة النصر بكل اقتدار في المواجهة المباشرة مع رأس الشر والظلام العالمي، بفضل الله عز وجل ثم بفضل قيادتكم الحكيمة، وبالتأكيد للمعركة الكبرى نفقاتها المالية الكبيرة، لاسيما في ظل التطور والإنتاج المستمر في التصنيع الحربي ونحن لم ولن نعترض على ذهاب جزء من إيرادات الدولة في موقف مشرف كهذا حتى لو لم نتمكن من صرف المرتب ما حيينا، وكل ما نرجوه ونتمناه منكم هو شيئان:
الأول: حسم المفاوضات وعدم ترك المجال للسعودية بمزيد من المماطلة والتسويف.
والثاني: القضاء على الفجوة الضخمة في الحالة المادية ما بين بعض كبار مسؤولي الدولة وعامة الشعب.
تلك الفجوة هي التي تؤلمنا، وبالذات لمن كانوا قبل توليهم المسؤولية لا يجدون قوت يومهم أو حالتهم المادية متوسطة واستغلوا المسؤولية في النهب والفساد وجمع المال الحرام وحققوا طفرة وقفزة وكونوا ثروات هائلة خلال فترة وجيزة بشكل غير مشروع.

قائدنا الرباني والنوراني: كل ما نطلبه منكم هو تحقيق العدالة، وذلك من خلال التسريع في وقف الفساد الملياري ومحاسبة هوامير الفساد ومحاكمتهم واستعادة ما نهبوه وإحلال كفاءات نزيهة وشرفاء وعندها سيتحسن الوضع حسب الممكن والمستطاع وسنعيش مآلات العدوان بمنأى عن إخفاقات وأخطاء وكوارث الداخل.بعض الحلول المقترحة
هناك إمكانية لصرف نصف مرتب شهري كأقل تقدير، وتحريك العجلة الاقتصادية والتجارية وتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وذلك إن تم اتخاذ عدة خطوات وإجراءات، وأتحمل المسؤولية الكاملة لكل كلمة قلتها سواء في ما يخص نهب المليارات أو التدمير الممنهج، أو بشأن إمكانية صرف نصف مرتب شهري «كأقل تقدير»، وأيضاً تحسين الوضع المعيشي والخدمي والحد من الفقر والبطالة في حال تم تنفيذ بعض الخطوات ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1. تفعيل الأجهزة الرقابية والمحاسبية والقضائية بما يؤدي إلى إغلاق منابع ومنافذ الفساد الملياري والمحاسبة والمحاكمة لكل فاسد ليكونوا عبرة لغيرهم، فعدم محاسبتهم سيشجع غيرهم، لأن المصير في الأخير لهوامير الفساد كان الرحيل بكل ما جنوه من مليارات ولم يُحاسب أحدهم، وهذا سيشجع ضعفاء النفوس، كما يجب تعيين كفاءات نزيهة وتفعيل العمل الرقابي والتقييم المستمر وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.
2. تنمية الإيرادات وفق برنامج تنموي متكامل وليس بموجب رفع رسوم قديمة أو استحداث رسوم جديدة، وإنما من خلال تنفيذ برامج ومشاريع تنموية بما يحقق النهضة وتشغيل العجلة التجارية والاقتصادية وزيادة الناتج المحلي وتقليص الاتكالية على استيراد كل شيء من الخارج، وذلك سيسهم أيضا في التخفيف من البطالة وسيرفد خزينة الدولة من مصادر أخرى غير الجبايات القاتلة للمواطن (عكس ما يحدث حاليا تماما).
3. ضبط الإيرادات وفق برنامج رقابي متكامل، فالواقع يحكي أن ما يتم توريده يقل عن نصف ما يتم تحصيله فعليا وذلك بسبب عملية استنزاف ونهب الموارد وهناك خطوات مدروسة تمت وتتم من شأنها الإبقاء على هذه الفجوة لضمان استمرار حالة النهب.
4. فتح الباب بامتيازات وتسهيلات مجدية للاستثمارات وبخطوات سريعة وإجراءات سلسة وميسرة ومشجعة.
5. تنمية الصادرات غير النفطية.
6. تفعيل شركة التعدين وهيئة الجيولوجيا والمعادن.
7. جمع إيرادات الدولة إلى بوتقة واحدة وبرنامج تصحيحي للحسابات الجارية بما لا يضر الموظف وبما يوقف الغرف العشوائي ونهب المال العام وإدارة مشاريع لا حاجة لنا بها في الوقت الحالي.
8. العمل بشكل حثيث في إطار الاكتفاء الذاتي زراعيا وصناعيا وخفض فاتورة الاستيراد بالقدر الممكن والمستطاع.
9. تفعيل الجمعيات التعاونية وشركات المساهمة الشعبية بشكل صحيح وليس كما تم بجملة من الأخطاء والتسيب الذي أدى إلى نهب أموال الناس وضياعها.
10. تفعيل التكافل الاجتماعي الحكومي المشترك ضمن عدة أطر أهمها:
- تفعيل الإنتاج المحلي الفردي والأسري ضمن مشاريع التمكين الاقتصادي.
- دعم وتشجيع المشاريع الصغرى والأصغر.
- تكثيف مشاريع التأهيل الفني والمهني.
- تفعيل المعونات الطارئة والمعونات الدائمة بحسب الحالات والضروريات (لحالات طارئة ولأسر لا يوجد لديها من يمكن أن يقوم بأي عمل).
11. تعديل مناهج وطرق التعليم بما يؤدي إلى تحسين مخرجات التعليم والمواءمة مع سوق العمل ومواكبة التطورات والتحديثات العلمية.
12. تأهيل كافة الموظفين عبر وزارة الخدمة المدنية بالتعاون مع المعاهد الوطنية كلا بحسب مهامه الوظيفية وتأهيل المسؤولين عبر المركز المجمد تماما منذ سنوات وهو مركز صناعة القرار وتأهيل القيادات، بالتوازي مع حل مشكلة التضخم الوظيفي القائم، فالمرحلة مرحلة عمل والفراغ قاتل والإنتاج مطلوب وهو ممكن بإيجاد مهام جديدة للموظفين الذين لا يوجد لهم أي مهام فهناك الكثير مما يجب عمله، وبهذا لن نحل مشكلة التضخم فقط بل إننا أيضا سنحتاج إلى موظفين لمجاراة العمل والحركة المطلوبة، إلى جانب خطوات أخرى.
وتعلمون أنني سبق أن رفعت وأوصلت إليكم شخصيا مقترحات وبرامج ورؤى في إطار رفد خزينة الدولة بما لا يضر المواطن ولا يحتاج إلى تعديل قانوني أو إصدار قوانين جديدة، ووجهتم بدراستها ثم وجهتم بتنفيذها، لكنها لم تتنفذ حتى الآن، لأن هوامير الفساد عرقلوا التنفيذ كونها تغلق عليهم حنفية ضخمة وستجعل المليارات التي تتدفق إلى جيوبهم تتدفق إلى خزينة الدولة.
وأتذكر أنني رفعت لمسؤول في حكومة تصريف الأعمال مقترحات لضبط بعض أنواع من الإيرادات الحكومية وستجعل الإيرادات في ذلك النوع الإيرادي تتحول من مائتي مليون ريال شهريا إلى مليار ومائة مليون ريال وبدون أن يتسبب ذلك في إنهاك المواطن، لأنها مجرد عملية ضبط وليست زيادة في الرسوم، فحدثني عن ضرورة إخفاء المشروع والمقترح وعدم إرساله لأحد غيره، وهذا الطلب معروف ما هو الغرض منه، وهذا ما حدث مع كل مقترحاتي المقدمة.
وأعتقد أنه قد آن الأوان لتنفيذها، وإلى جانبها برامج متكاملة في إطار النقاط المذكورة، ويجب أن يتم ذلك بشكل عاجل وفوري ضمن برنامج عمل حكومة الكفاءات كوننا بأمس الحاجة لهذه الإصلاحات كجزء أساسي من الإعداد للمعركة الكبرى، فالعدو هو الذي يعرقل تنفيذ كل خطوات التصحيح والتحديث والتطوير وكل ما يحل مشاكل المؤسسات ويحسن أداءها ويصحح الوضع المؤسسي، وبالتأكيد العدو لا يحكمنا لكن أياديه في الداخل تخدمه وتحقق ما يريده.
ومن تمكن بفضل الله عز وجل من صد ومقاومة ومواجهة أبشع عدوان كوني شهدته البشرية، لن يعجز بإذن الله عن التصحيح.
ابدأ يا قائدنا فإنهم لا يعجزونك، والشعب معك قلبا وقالبا ونفديك بأرواحنا.. والله الموفق والمستعان

أترك تعليقاً

التعليقات