خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
التقيت بأحد مأموري الضرائب (مندوب/ متحصل) في مديرية معين، وسألته: كيف العمل؟ قال: يا أخي 70% من المحلات في شارع هائل أصبحت معفية تماما (يقصد محلات ومعامل الخياطة)!... طبعا المأمور زعلان ومش مبسوط ولا مرتاح من هذه الخطوة؛ لأنه كما يبدو دخله خف مع انخفاض الإيرادات والتحصيل والحركة.
بالنسبة للإعفاءات الضريبية والجمركية التي تمت ونفذت مثلاً على قطاع الملابس المحلية، فقد حدث ذلك على أساس تشجيع المنتج المحلي وتوطين السلعة وتخفيف فاتورة الاستيراد، ولم تكن الإعفاءات هي الإجراءات الوحيدة المتخذة للوصول إلى الأهداف السابق ذكرها، فهناك إجراء آخر متمثل في فرض دفع كافة الرسوم في المنافذ للملابس الجاهزة المستوردة، بمعنى أنه لم يعد هناك رسوم ضريبية مؤجلة بما فيها ضريبة الأرباح حتى قبل بيع البضاعة، مع العلم أن المتربصين والمسترزقين من اختلاق الثغرات والمكلفين بمهام تشويهية روجوا لهذه الجزئية على أن حكومة التغيير رفعت الرسوم بنسبة 100%، وهذا غير صحيح، كل ذلك كان الغرض منه تشجيع الصناعة المحلية، طيب تعالوا نشوف النتائج ونقيمها.
أولاً: ارتفعت أسعار الملابس المستوردة بشكل جنوني، مع أنها سابقاً كانت أساساً مرتفعة، ومع أنه لا يوجد عليها أي رسوم مستحدثة أو مضافة، وهذا يشير إلى استغلال كبار التجار للخطوات التي تمت بشكل سلبي وانتهازي. كما أنه يشير إلى عدم قيام وزارة الصناعة والتجارة بمهامها في ضبط الأسعار ووضع هامش ربحي واحتساب التكاليف، وبدلا من ذلك تركوا المجال لمزاجية التاجر في تحديد الأسعار، وفي أحسن الأحوال تحدث رقابة على تاجر التجزئة، لأن تجار جملة الجملة والمستوردين حبايبهم، وكلما سألنا الباعة عن سبب الارتفاع المفجع يردون بأن الرسوم تضاعفت عليهم (حسب ما لقنوهم).
ثانياً: هل تمكنا من تشجيع الصناعة المحلية وباتت تملأ الأسواق وبجودة عالية وسعر مقدور عليه ومقبول؟! هل نسير نحو اكتفاء ذاتي بحيث يصبح المستورد لا يفرق عن المحلي في الجودة؟! هل المنتج المحلي يرقى لمستوى المنافسة، أم أن المقاطعة للمستورد أو التشجيع للمحلي يعني أن نتكعف منتجات رديئة وبأسعار غالية؟! هل حدث التنسيق الكامل بين بعض الجهات الحكومية لدعم وتمويل وتسويق الصناعات المحلية للأسر المنتجة للملابس؟!
أخشى أن كل ما جنيناه هو خسارة خزينة الدولة فقط، وأن يكون ما حدث فعلاً هو أنه لا خزينة الدولة استفادت بزيادة الاستثمارات المحلية، ولا المواطن استفاد بانخفاض الأسعار، ولا نافسنا، ولا «سكهنا الأذية»، ولا شجعنا المنتجع المحلي!
القرار نفسه صائب، وتشجيع الاستثمارات والمنتجات المحلية مطلوب ومهم وضروري؛ لكن دائماً يجب أن تكون العملية تكاملية لتقوم الجهات الأخرى بدورها، سواء في إطار الرقابة على الجودة وضبط الأسعار أو في التسويق والتنظيم ودعم المشاريع. كما يجب أن يحدث تقييم للمخرجات والنتائج، وعلى أساسه يحدث التصحيح والتصويب وفق تحديثات تؤدي إلى الوصول لأفضل ما يمكن لتحقيق المصلحة العامة للوطن، وتوفير احتياجات المواطن والتخفيف عنه.

أترك تعليقاً

التعليقات