الهجرة العكسية للصهاينة
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
لا شك أن الكيان الصهيوني تجرع خسائر مادية فادحة سواء على المستوى الحكومي أو الداخلي لمستوطنيه، لكن أكبر خسارة تجرعها ولايزال يتجرعها الكيان الصهيوني المؤقت هي فقدان عوامل البقاء وبدء موجة الهجرة العكسية.
بدأت الهجرة الداخلية للصهاينة من مناطق محفوفة بالمخاطر إلى مناطق آمنة كما حدث مع مستوطني شمال فلسطين، ثم بعد توسع رقعة المواجهات باتت كل المناطق المحتلة غير آمنة، وعندها بدأت موجة الهجرة الخارجية وتسمى «الهجرة العكسية»، كون الكيان يعمل على استقطاب يهود أوروبا وغيرها من الدول ذات الجودة التعليمية والتأهيلية العالية بالتوازي مع تهجير قسري وطوعي للفلسطينيين، وذلك لإحداث التفوق السكاني المطلوب.
عملية تهجير الفلسطينيين تتم بعدة أساليب فمثلا يحولون بعض المناطق إلى أماكن غير صالحة للعيش كما حدث في غزة، ثم يستخدمون الترغيب والترهيب لترحيلهم وتهجيرهم، وهناك عملية ترغيبية لأماكن غير مدمرة من خلال استقطاب بفيز إلى الخارج وغالبا إلى أوروبا أو دبي بمميزات ومغريات كثيرة، وفي المقابل جعلوا مستوى دخل الفرد الصهيوني هو الأعلى في المنطقة ومميزات ومغريات معيشية وخدمية كثيرة إلى جانب ما يسعى الكيان لتعزيزه بصورة مستمرة وهو عنصر «الأمان» وتأمين حياة المستوطنين بعدة طرق حماية ومنها أسطورة «القبة الحديدية» ومنظومات الدفاعات الجوية المتعددة وآخرها منظومة «ثاد» التي تعتبر أحدث ما أنتجته التكنولوجيا الأمريكية، إلى جانب التفوق العسكري الجوي الصهيوني في كافة أنحاء المنطقة.. إلخ.
استمر ذلك إلى أن حدث التحول الجذري منذ الطوفان المبارك في عملية السابع من أكتوبر مرورا بكل عمليات المقاومة الفلسطينية وتكرس وتعزز بفعل مساندة الأحرار المستمرة والمتصاعدة.
وفجأة تحول كل شيء ولم يعد الكيان هو المكان الأنسب للعيش كما كان، حيث توقفت الأعمال، تذبذب الاقتصاد، ساءت الأحوال المعيشية من الناحية المادية للأفراد بشكل كبير جدا، تدهور الوضع الخدمي، تقلصت المغريات وصولا إلى انعدامها والإبقاء على ما يسد الرمق، ومع كل الدعم الخارجي إلا أن حجم الخسائر وتواليها واستمرارها تسببت بفجوة عجزت الدول الداعمة عن سدها ولو بشكل جزئي، ولأن المستوطنين الصهاينة كلهم جنود ولا يوجد بينهم مدنيون، وذلك كون نظامهم وقوانينهم تحتم التجنيد الإجباري على الجميع، سواء كان طبيبا، أو مهندسا، أو طيارا مدنيا، أو صاحب أي مهنة وأي وظيفة، وسواء كان ذكرا أو أنثى هو بنفس الوقت جندي احتياط مطلوب عند الحاجة بحسب درجة الطوارئ، لذلك كانت المشاركة العسكرية واسعة ولذلك أصيب أغلبية الصهاينة بحالات نفسية وباتوا يترددون على مصحات ومراكز العلاج النفسي من هول ما عاشوه وجراء ما شاهدوه من ويلات، لاسيما في محاولات اقتحام غزة وجنوب لبنان، طبعا هذا غير القتلى والجرحى والأسرى.
حتى من لم يشاركوا في المواجهات البرية لم يسلموا من الأذى المادي والنفسي والمعنوي، لاسيما مؤخرا في ظل بقاء سبعة ملايين صهيوني في الملاجئ لأيام متتالية ولا يكادون يخرجون منها إلا وأعيدوا إليها مرة أخرى، لدرجة أنهم كانوا يتوجهون إلى الملاجئ في الأيام الأخيرة خمس مرات في اليوم، ثم أوصت حكومة نتنياهو بأن يظلوا بالقرب من الملاجئ نظراً لتعطل أجهزة الرادارات وكثافة الغارات.
قد لا يسعنا حصر الخسائر المادية على المستوى الحكومي وبين المستوطنين بشكل دقيق، نظراً للتعتيم، لكنها بالتأكيد ضخمة جدا، ولكن هناك أهم من الأموال التي يمكن تعويضها سواء من بعران الخليج أم غيرهم ولو بالحد الأدنى كتعويض جزئي 
وهو فقدان عناصر البقاء وسيؤدي إلى بدء موجات الهجرة العكسية، فمن سيبقى في ظل وضع لم يعشه لا هو ولا أبوه ولا جده حتى في الأراضي المحتلة؟ ومن سيترك الأمان الأوروبي ويعيش بين كل هذا الرعب؟
مع العلم أن أغلب الوظائف والأعمال مجمدة، والتعليم توقف تماما ولا يوجد منطقة آمنة، لذا لم يعد أحد يرغب بالبقاء في كيان انعدمت فيه سبل الحياة وباتت محفوفة بالمخاطر.. وضع استثنائي وفريد ولأول مرة يحدث داخل الكيان.
لم تعد المقاومة بالحجارة ولا حتى بالسلاح التقليدي، ولم تتمكن كل قوى الشر والظلام العالمي من كبح جماح المحور المقاوم في الداخل الفلسطيني والخارج المساند، ولا يوجد بوادر حل في ظل تعنت نتنياهو، بل وفتح جبهة جديدة تفوق كل الجبهات السابقة.. وكأن نتياهو مكلف بترحيل الصهاينة وإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية.
ومن أجل إيقاف الهحرة العكسية اتخذت حكومة الكيان على لسان وزيرة النقل قرارا بمنع المواطن من السفر وأغلقت في وجوههم جميع المطارات وفي هذا تقييد لحرية التنقل وتصميم على تعريضهم للخطر الذي جلبته لهم حكومتهم بإجرامها المفرط وعدم تقديرها للأمور، إلا أن الصهاينة المستوطنين لم يرضخوا لحكومتهم في منعهم من السفر ولجأوا إلى الخروج من المكان الذي يعيشون فيه أهوال يوم القيامة «بحسب وصفهم» عبر التهريب في زوارق بالبحر مثلهم مثل أي بضاعة مهربة عبر البحر كالمخدرات وغيرها، وهناك مبالغ كبيرة يدفعها الفارون للمهربين مقابل إخراجهم محشورين داخل مراكب بحرية كالأغنام، وبات العمل الوحيد المنتعش والمتحرك داخل الكيان هو «تهريب البشر».
نستطيع أن نقول: أحلام إقامة دولة «إسرائيل الكبرى» اضمحلت أمام صمود ومقاومة وعمليات المقاومة ومن ساندها، ثم جاءت معركة اليمن وإيران لتبددها وتذروها.. وسقطت أكذوبة أرض الميعاد وباتت أحلامهم هي العودة من حيث أتوا.

أترك تعليقاً

التعليقات