خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
بعد ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة "التغيير والبناء" فرج الله على قانون الاستثمار، لكن القصة لم تنته هنا فمازال الفرج يقتصر على موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار.
باقي موافقة مجلسي الوزراء والنواب، وهذه قد تأخذ ستة أشهر إذا ما قارنا ما تم إنجازه خلال ثلاثة أشهر بموافقة مجلس إدارة الهيئة، بينما الجانب الاستثماري يعتبر أهم جانب نظرا لما تقتضيه مصلحة الوطن والصالح العام وفي إطار مواجهة أبشع حرب اقتصادية شهدتها البشرية، وللتحول من الاعتماد الكلي على (الجبايات القاتلة للمواطن) في رفد خزينة الدولة إلى مشاريع تنموية نهضوية تحقق أكثر من هدف في آن واحد (التخفيف من نسبة البطالة، تأسيس مرحلي للتعافي الاقتصادي، دعم وتشجيع وتحفيز الإنتاج المحلي، خفض فاتورة الاستيراد، المضي قدما نحو الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي، توفير إيرادات عامة لا تكلف المواطن شيئا ولا تثقل كاهله.. إلخ).
ما أسرع سلطاتنا إلى ما يزيد من تضييق الخناق على المواطن وما أبطأها في تنفيذ التصحيح اللازم لتحقيق تحسن ملحوظ للوضع المعيشي والخدمي.
كما أن هناك موجة سابقة لتهجير رؤوس الأموال وتنفير التجار بل إن هناك محلات ومصانع ومشاريع صغرى وأصغر أغلقت لعدة أسباب أهمها:
1. الإجراءات التعسفية التي مارسها وزير الصناعة السابق؛ ومنها رفع رسوم التراخيص، وتعقيد الإجراءات، ورفض الترخيص لعدد 65 مشروعا استثماريا صناعيا في المنطقة الصناعية بالحديدة، وغيرها من الإجراءات التي أدت إلى تعثر وتجميد الحركة التجارية.
2. الوضع المعيشي السيئ وضعف القوة الشرائية.
3. ارتفاع كثير من تكاليف الإنتاج؛ ومنها أسعار الكهرباء لدى المحطات الحكومية والخاصة.
4. ضعف البنية التحتية المساعدة للاستثمار.
5. غياب الحوافز التشجيعية والداعمة وعدم تقديم التسهيلات المحفزة للاستثمار، بالتوازي مع بروز وظهور العكس (إجراءات تعسفية ومنفرة).
6. زيادة الجبايات بمسميات متعددة مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم القدرة على المنافسة السعرية واللجوء إلى خفض نسبة الجودة ليكون ذلك سببا مساعدا في التسويق بسعر مقدور عليه، لكنه في المقابل غالبا ما يتسبب في نفور وعزوف المستهلك.
7. عشوائية تشييد المشاريع بدون دراسات الجدوى المطلوبة واللازمة.
8. احتكار بعض الفرص الاستثمارية المجدية وعدم ترك المجال للمنافسة والتوزيع العادل.
9. تغييب كامل للاستثمار في مجال التعدين رغم إنشاء شركة التعدين قبل أربعة أعوام تقريباً، وكان إنشاؤها بغرض تفعيل الاستكشافات والإنتاجات والاستثمار المعدني إلى جانب هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، فعملت شركة التعدين عكس الغرض التي أنشئت لأجله، علما أن اليمن بلد غني جدا بالثروة المعدنية، وفي ظل توقف تصدير النفط في هذه الفترة ونهب تحالف العدوان لعائدات الصادرات النفطية خلال الأعوام السابقة كان يجب البحث عن موارد بديلة وأهمها الثروتان المعدنية والسمكية وهناك كثير من المشاريع للاستثمارات المعدنية وهي متاحة وممكنة التنفيذ وتتجاوز ظروف العدوان والحصار، أما تجميد هذا الجانب فلا يخدم إلا العدوان.
10. إغراق السوق بمنتجات مستوردة رديئة لا تتطابق مع المواصفات والمقاييس، وهي غالبا تحارب المنتجات المحلية وتؤدي إلى ركودها، نظراً لرخص ثمنها.
11. تغييب التخطيط الاستراتيجي والرؤى والمقترحات البناءة والمجدية في تحديد الأولوية لمشاريع التنمية المستدامة والاحتياج، وأهمها مشاريع تصنيع الاحتياجات الأساسية للمواطن مثل الأغذية والأدوية والمستلزمات الضرورية، ومشاريع تدوير النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي، ومشاريع الاستفادة من مياه الأمطار، ومشاريع تدوير وتصنيع الزجاج والحديد والبلاستيك، وتصنيع ألواح الطاقة الشمسية، وكل ما يتوفر مواده الخام، وفي المقابل منح مشاريع ضارة بالاقتصاد وبعضها احتياجها ثانوي تسهيلات كبيرة مثل مشروع تصنيع السجائر في المنطقة الصناعية بالحديدة.
هذه بعض الأسباب فقط وبمعرفتها يتوفر لدينا التشخيص الصحيح للمشكلة، وبالتالي نستطيع إعداد مصفوفة المعالجات والحلول اللازمة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في حال توفرت النوايا الطيبة والكفاءة والنزاهة والهمة والمثابرة، وهذا الذي حلمنا وأملنا بتوفره في "حكومة التغيير والبناء"، إلا أن التحرك البطيء يوحي بأننا لازلنا نعيش زمن المماطلة والتسويف وفي أحسن الأحوال دوران العجلة ببطء شديد جدا وبخطوات غير مدروسة، وبالتأكيد هناك أسباب لهذا البطء وعدم وجود تحسن ملحوظ في حياة المواطن، وأهمها:
- الإبقاء على الطواقم السابقة كما هم بمن فيهم من فاسدين وفاشلين، فالوزراء ونوابهم لم يكونوا وحدهم من تسبب بالوضع المزري لنكتفي بتغييرهم وكأنها الخطوة الوحيدة التي كانت تلزمنا ليتحسن الوضع.
- هناك رؤساء جهات إيرادية وخدمية مهمة وهناك وكلاء ووكلاء مساعدون في الوزارات وهناك مدراء تنفيذيون ومدراء عموم في الوزارات ومرافقها، وهناك محافظون ووكلاء محافظات وجميعهم لازالوا كما هم في مواقعهم، فهل جميعهم يتمتعون بالكفاءة والنزاهة؟ فكيف سيتحقق الانتصار الإداري بنفس الوجوه التي تسببت بالوضع المزري؟
النجاح عبارة عن منظومة متكاملة ويجب أن تكتمل السلسلة ليتحقق، ولنا في الانتصارات النوعية التي حققها جيشنا واللجان بعد غربلته من الخونة والمندسين جراء فتنة ديسمبر نموذجا يحتذى به.
كما أنه يتوجب تفعيل الرقابة والمحاسبة والتقييم (ثواب وعقاب) بشكل مستمر، فمن أمن العقاب أساء الأدب وأساء التصرف، كما حدث لدى حكومة المزرين.
أيضا من الضروري جدا محاسبة هوامير الفساد ممن تمت إقالتهم، لاسيما وأن الإقالة أسقطت التحصين القانوني لذوي المناصب العليا من المحاسبة والمساءلة واستعادة الأموال المنهوبة، وبالتالي يجب محاسبتهم ليكونوا عبرة لغيرهم ممن قد تسوّل له أنفسهم ويضعفون أمام شهوات وملذات الدنيا.

أترك تعليقاً

التعليقات