النقد والنقد المضاد
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

هناك صنفان من الأحرار يصعب التفاهم معهما: الصنف الأول: هم الرافضون لكل انتقاد مهما كان بنَّاءً وطرحاً مهذباً الغرض منه التصحيح وليس التشويه، بما في ذلك أي فكرة أو رأي أو حتى مجرد وجهة نظر قد يطرحها أي شخص. وهذا الصنف ردودهم تحمل شيئاً من القسوة بدرجات متفاوتة، فمنهم من يكون سخطه نابعاً من اعتقاده بأنك تدخلت في شيء لا يخصك وأنك يجب أن تترك الخوض في هذه الأمور لأصحاب القرار...!
وغالبا ما يقلل هؤلاء من شأن المنتقد ويواجهونه بعبارات جارحة. ومنهم من يزيد على ذلك ويهرع مباشرة إلى تخوينك، معتقدا بأن انتقادك فضح موقفك الحقيقي من العدوان، وأن موقفك المناهض للعدوان منذ بدأ لم يكن أكثر من تقية استخدمتها ليعتقد الناس بأنك ضد العدوان بينما الحقيقة مختلفة، ويمسح كل تاريخك النضالي بمجرد أنك أردت تصحيح خطأ أو تصويب مسار لصالح الوطن والمواطن في سبيل دعم وإسناد الحكومة ونجاح المرحلة.
أما الصنف الآخر فهم المشككون والمخونون لمتخذي القرار، فمثلا من يدعي أن سبب عدم ضرب العمق السعودي ضربة موجعة بعد كل جريمة يرتكبها العدوان نابع من تفاهمات سرية تراعي مصالح شخصية، ويريد من أصحاب القرار أن يفكروا بطريقته ويتخذوا قراراتهم بناء على المحددات التي وضعها هو وبالطريقة الانفعالية المتسرعة، بعيداً عن حسابات العقل والمنطق وبعيداً حتى عن قواعد الحرب وتعاليم الشرع والدين والقانون والإنسانية.
فتجد أحد هؤلاء تارة يطالب بقصف المدنيين في دول العدوان، وتارة يطالب بقصف المرافق الخدمية، ولا يعرف أن قرار تحديد زمان ومكان الهدف ونوعية وكمية السلاح المستخدم لا يتم اتخاذه بالطريقة التي يفكر بها هو كمواطن، فقرار القيادة يختلف عن قرار المواطن، وهناك مستشارون يدرسون كل خطوة ومآلاتها، بل ويرسمون خططاً مستقبلية للقادم واحتمالات لمواجهة أي طارئ عسكري، كل ذلك فق دراسة مكتملة الأركان حول الفعل ورد الفعل والانعكاسات والآثار المترتبة وكل الاحتمالات الواردة، لاسيما ونحن أمام عدوان كوني وعالم متواطئ ومتخاذل.
فالموضوع هنا لا يتم بضغطة زر بحسب الانفعالات الشخصية والغضب. هناك نفس طويل جداً وترتيبات دقيقة وعمل حثيث يكاد لا يتوقف على مدار الساعة، وفريق يمني من الخبراء المحترفين بقيادة وإشراف سيد الثورة (سلام الله عليه).
صحيح أنه لا ضير في المطالبة وطرح الآراء والمقترحات ووجهات النظر، لكن يجب ألَّا يكون ذلك مصحوباً بالتشكيك في استقلالية ونزاهة وحكمة قيادتنا التي عجز العالم عن شراء ذممهم ولي ذراعهم، وبالتالي فإن العدوان يجد في صراع كهذا بيئة خصبة جداً لدس السم وزرع الفتن وتقسيم الصف.
فلنترفع عن هذه المعارك الجانبية الخادمة للعدوان ونعيد توجيه بوصلتنا نحو العدو الحقيقي. وما اختلفنا فيه اليوم سنتفق بشأنه غداً، ما دام يجمعنا الهدف الأسمى وهو مناهضة العدوان. وبالنسبة للنقد البناء فهو لصالح القوى المناهضة للعدوان، كونه ينبههم إلى بعض الأخطاء والتجاوزات، ومن هنا يأتي التصحيح الذي يقوي موقف الحكومة ويعزز ثباتها ويطيح بكل المؤامرات الساعية إلى خلق سخط عام وحالة من عدم الرضا المجتمعي.

أترك تعليقاً

التعليقات