دماء افتهان تشعل شرارة «الثورة»!
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
عندما نتحدث عن جرائم تحدث في المناطق المحتلة فهذا ليس من باب الاستثمار والاستغلال السياسي، ولا الترويج للأنصار، ولا من باب الشماتة؛ لأن كل محافظات بلدنا ووطننا وكل المواطنين يمنيون وكلنا واحد، ولا نسلط الضوء عليها بمفردها ونغمض أعيننا عما قد يحدث في مناطقنا؛ فالإنسانية لا تتجزأ.
وبتسليط الضوء عما يحدث هنا وهناك تتضح الصورة الحقيقية للواقع الذي يتسبب به المحتل في المناطق المحتلة، سواء من ناحية الانفلات الأمني أم تردي الوضع المعيشي، رغم الدعم وعدم التعرض لعدوان وحرب اقتصادية وحصار وما إلى ذلك.
الاستثمار والاستغلال السياسي نلاحظه فيما تتناوله قنوات العدو، كـ"العربية" و"الحدث"، لكل شاردة وواردة تحصل في مناطق المجلس السياسي الأعلى، والترويج لها بشكل مغلوط وبتحريف الحقائق وبالكذب والتدليس.
فمثلاً: ضجت وسائل الإعلام المذكورة بحادثة طعن صاحب محل ذهب في صنعاء، ولم يستطيعوا الترويج لها بأن الجاني قيادي حوثي، كعادتهم، لأن الجاني عامل؛ لكنهم روجوا لها بشكل يوحي بانعدام الأمن وانتشار السرقات والسطو المسلح وما إلى ذلك. كما تداولوا بكثرة موضوع تهجم بعض جنود كلية الطيران على أسرة في ضلاع همدان ومنعهم من البناء في أرضهم.
بالنسبة للحادثتين، إذا ما قارناهما بما يحدث في المناطق المحتلة، سواء من حيث التكرار والاستمرار والعدد والفارق الزمني بين جريمة وأخرى أو من ناحية حجم الجريمة ونوعيتها والكيفية، فلا وجه للمقارنة. وعندما نقول بألا وجه للمقارنة فهذا ليس معناه أن كبر حجم وبشاعة نوعية الجرائم وتكرارها في المناطق المحتلة يسعدنا أو حتى لصالحنا؛ فنحن نتألم لما آلت إليه الأمور في جزء لا يتجزأ من يمننا الحبيب؛ ولكنها الحقائق الدامغة التي لا تخفي نفسها.
في صنعاء ومناطق جغرافيا السيادة الوطنية قبضوا على الجاني المعتدي على صاحب محل الذهب خلال ساعات، وهذا يحدث باستمرار في أي جريمة تحدث، حتى ولو لم يتداولها الإعلام. وبخصوص الاعتداء على أسرة مستضعفة في ضلاع همدان فبمجرد أن تلقى القاضي عبدالعزيز مجاهد العنسي، رئيس محكمة همدان، بلاغاً بالحادثة وجه بضبط الجاني، ولم تمر ساعات إلا وهو سجين، ما جعل المظلومين يوجهون كلمة شكر للسيد القائد وللقاضي رئيس المحكمة، لسرعة الإنصاف والعدالة.
بالتأكيد لم تتناول وسائل الإعلام الخبيثة خبر إلقاء القبض على المجرم الذي اعتدى على مالك محل الذهب، كما لم تتناول خبر حجز المعتدي على الأسرة المستضعفة والمرأة المسنة؛ ليس لأن أخبار الضبط لم تصل إليهم، وإنما لأن مهمتهم تقتصر على التشويه والاصطياد في الماء العكر والاستغلال السيئ لكل ما يحدث، وبطريقة فيها من التهويل والكذب والتدليس ما فيها، وبأسلوب لا يختلف عن أساليب إعلام الكيان الصهيوني في التناول والتعامل مع الخصوم، ولو أن لديهم فتاتاً من الإنسانية لما تركوا جريمة اغتيال افتهان المشهري دون حتى نشر الخبر؛ رغم أنها من أبشع جرائم العصر، وفيها عيب أسود في أعرافنا وأسلافنا بقتل امرأة وبتلك الطريقة البشعة وفي وضح النهار على مرأى ومسمع العامة في منطقة ارتكاب الجريمة، والحادثة مصورة، والجاني معروف، وهناك تسجيل صوتي للمجني عليها تتحدث فيه بوضوح عن تهديدها بالقتل وذكرت الغرماء بالاسم وأسباب تهديدها والابتزاز الذي تعرضت له، ومع كل هذا لا تزال هناك محاولات لتمييع القضية وعدم الاكتراث لكل المسيرات والمظاهرات والمطالبات الشعبية، إذ لا صوت هناك يعلو فوق صوت الإجرام المتخطي لكل القوانين والأعراف والأسلاف والعادات.
قتلوا امرأة بأكثر من عشرين طلقة، لأنها رفضت تمرير فساد "المحبّبين" والمحشّشين الذين أرادوا نهب مستحقات عمال النظافة، وارتكبوا جريمتهم الشنعاء دون أن يرف لهم جفن، ولا هم ضاربين لأحد كرت، ووسائل إعلام العدو في هدنة مع هذا الإجرام والتوحش، وعلى النقيض معنا، رغم الهدنة التي تستوجب التهدئة الإعلامية.
الانضباط الأمني في مناطقنا، التي تتكالب عليها كل قوى الشر والظلام العالمي وتحاك ضد أهاليها وسكانها أقذر المؤامرات والدسائس، يعتبر إنجازاً نوعياً يستحق الإشادة والتقدير؛ لأنه أمن وأمان في ظل تكالب دولي يهدف لزعزعة الأمن ونشر الفوضى. ولا ننكر وجود بعض المخالفات والتجاوزات؛ لكننا لا نغفل عنها، ولا نتركها تمر دون أن نتطرق لها في حال لاحظنا إهمالاً أو تسويفاً وتباطؤاً من قبل المعنيين إن حدث. وكنت أحد من تعرضوا للانتهاك والظلم، فقبل عام اقتحمت منزلي قوة كبيرة من مباحث أمانة العاصمة/ قسم مكافحة الإرهاب، واعتقلوني بطريقة فجة، وتعرضت للإخفاء القسري بدون مذكرة من النيابة ولا القضاء ولا أوامر من وزارة الداخلية، وارتكبوا بحقي حزمة من المخالفات القانونية، لمجرد أنني أثرت مواضيع تمس أمن وسلامة المجتمع، والمتورطين فيها مسؤولين كبار، ومنها موضوع المبيدات القاتلة والمسرطنة للبشر والمدمرة للأرض الزراعية والملوثة للبيئة؛ لكن في الأخير انتصر الحق وخرجت مرفوع الرأس بتوجيهات مباشرة من السيد القائد حفظه الله، ووجّه بمنع إدخال المبيدات المحظورة والتشديد على ذلك، فكانت معاناتي الشخصية ثمناً لإنجاز يستحق التضحية. كما أن الوضع الأمني لا يقاس من خلال تجارب شخصية وفردية، حتى على مستوى الحال والوضع المعيشي خسارتي وتعبي ومعاناتي في حقبة الأنصار أكثر من مكاسبي، وفي العمل والوظيفة والمواجهة والحرب المسلطة عليَّ؛ لكن القياس من منظور شخصي ينم عن قصر نظر وعدم مراعاة للمصلحة العامة. كما أن ضريبة مواجهة الفساد دون مواربة نتيجة معروفة لمن اختار هذا الطريق ولم يختر طريق التطبيل ومهادنة المزريين.
وبالنسبة للوضع الأمني يقاس بما يحدث في الغالب وبشكل دائم ومستمر. والانضباط واضح لدينا، فيما بات الانفلات الأمني في المناطق المحتلة معروفاً لدى الجميع، وهذا لا يعكس الفشل والتردي فقط، وإنما يوضح الصورة الحقيقية لما يحظى به المجرمون من حماية، سواء بحكم مناصبهم الأمنية الحامية لهم أم بحكم المصالح التي تجمعهم مع أصحاب النفوذ، بمعنى أن "حاميها حراميها" ومجرمها، وتغيير قيادات الأمن بآخرين لن يغير الوضع مادام جميعهم تابعاً لدول تنفذ أجندة تدميرية وتزرع الفوضى وتهلك الحرث والنسل. وقد سبق أن حدثت عدة تغييرات لمسؤولين وقيادات وما زالت الفوضى وما يزال الانفلات كما هو؛ ففي الانفلات والفوضى وانتشار الجريمة والفسوق وتردي الأوضاع الخدمية والمعيشية مصلحة للمحتل، بانشغال الناس ببعضهم وبلقمة عيشهم وبحماية أنفسهم هم وأسرهم، ويجعلهم لا يلتفتون للمحتل، وهذا يؤكد عدم عودة الأمن والاستقرار إلا بصحوة الانتماء لليمن الواحد تحت راية الوطن، لا راية المحتل.
فهل تكون دماء أختنا افتهان سبباً في انتفاضة تجتث المحتل وأدواته، أم جريمة عابرة كبقية الجرائم وستستمر؟!

أترك تعليقاً

التعليقات