خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
لم تكن "طوفان الأقصى" المعركة الأخيرة التي ستؤدي إلى زوال الكيان الصهيوني وعودة بني صهيوني إلى الشتات وتحرير أولى القبلتين، إلا أنها كانت الأعنف والأوسع والأطول من بين سابقاتها، معركة فقد الكيان فيها أهم مقومات بقاء المستوطنين، وعلى رأسها عنصرا الأمن والرخاء، وزادت نسبة الهجرة العكسية وتبددت أسطورة القبب الحديدية، وبات الجيش الذي زعموا أنه لا يُقهر ما بين قتيل وجريح ومصاب بحالة نفسية.
يعتقد البعض أن النصر لم يكن حليف الأحرار في هذه المعركة لأن النتائج المشهودة كانت تدمير غزة وقتل وجرح كثير من سكانها وتشريد عشرات الآلاف منهم، غير مدركين أن كل ذلك لا يعد حتى انتصارا جزئيا للعدو، بل على العكس تماما، فرغم الكم الهائل من جرائم الحرب والإبادة الجماعية إلا أن الكيان وكل قوى الشر والظلام العالمي الداعمة له لم يتمكنوا من تحقيق أي من الأهداف المطروحة منذ بدء المعركة، لا حرروا المعتقلين، ولا أنهوا المقاومة (عدة وعتاد بشري ومادي)، ولا أوقفوا العمليات المنكلة بهم.
في خضم المعركة التي بذل فيها المحور الغالي والنفيس أراد الله عز وجل أن يبقى اليمن وحيدا في المساندة بعد أن كان قد آن الأوان للحزب أن يرتاح ويلملم جراحه ويعيد ترتيب صفوفه، وبعد قطع خط الإمداد المار بالأراضي السورية، وبعد حزمة من الإرهاصات التي تعرضت لها إيران وأدخلتها فترة "استراحة المحارب"، في ظل تخاذل بل وتواطؤ وتآمر عربي وإسلامي بلغ ذروته.
موقف اليمن في مساندة غزة كان تصاعديا وقبل الدخول في المرحلة السادسة هرول العدو نحو اتفاق وقف إطلاق النار بعد أن أيقن أنه الحل الوحيد، لاسيما بعد تصريح قيادتنا بالتصعيد، فإذا تضمنت المرحلة الخامسة فرار وهروب أربع حاملات طائرات وما يرافقها من فرقاطات وبوارج ورابعها هاري ترومان. وهي الأحدث بين حاملات الطائرات الامريكية، إضافة إلى أنها قدمت إلى المنطقة بعد جملة من الاستعدادات المبنية على دراسات للهجمات اليمانية السابقة بحيث يتمكن الأمريكي هذه المرة من صد الهجمات والصمود أمام البأس اليماني، ومع أن مهمتها اقتصرت على الصمود وتوجيه بعض الضربات الجوية على اليمن ولم تتضمن مهام مستحيلة كتوقيف الضربات اليمانية المانعة للسفن من الوصول الى الكيان إلا أنها فرت أكثر من مرة واستمرت بالتموقع ما بين أقصى شمال البحر الأحمر وعلى بعد 600 ميل من السواحل اليمنية كأقصى موقع تمكنت من الوصول إليه، وتعرضت لسبع عمليات هجومية واستمر الهجوم السادس تسع ساعات، فما الذي يمكن أن يحدث في المرحلة السادسة؟
هذا على مستوى البحر وبشكل مقتضب والتفاصيل كثيرة. أما على مستوى عمق الأراضي المحتلة ومنشآت العدو الحيوية فلم تكن بمنأى عن صواريخنا الفرط صوتية وطيراننا المسيّر، وباتت صواريخ وطائرات اليمن المسيّرة تؤرق الصهاينة وتشكل عامل رعب لهم، فكان لزاما على ثلاثة ملايين صهيوني الركض إلى الملاجئ يوميا في منتصف الليل، وكان ليمن الايمان شرف البروز لمواجهة الشر كله.
في حين لم يعد هناك أي مصدر آخر يضج مضاجع الصهاينة ويؤرقهم ويجرعهم الخسائر ويدمر نفسياتهم.
ومع كثرة العروض واستخدام التهديد والترغيب مقابل التوقف عن مناصرة غزة أدركت قوى الشر ألا حل مع اليمن غير الاستجابة لمطالب قيادة الأنصار القانونية والإنسانية والمتمثلة في وقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات، حتى أن قيادة الانصار تركت للمقاومة الفلسطينية موضوع التفاوض على السفينة "غالاكسي" المملوكة للكيان الصهيوني والتي سبق اقتيادها إلى سواحل اليمن، بالإضافة الى نقاط أخرى أيضا تم تفويض المقاومة الفلسطينية بشأنها وإيكال الأمر لها للتأكيد أن الغاية والهدف هي نصرة فلسطين.
لطالما قلنا أن القضية الفلسطينية قضيتنا الأساسية وبوصلتنا، لكن معركة "طوفان الأقصى" كانت الترجمة الفعلية لهذا القول ذا الدلالات العميقة.
لقد آثرنا على أنفسنا واتخذنا مواقف إزاء مناصرة القضية الفلسطينية لم نتخذها في قضيتنا المتمثلة في تعرضنا للاعتداء الهمجي من تحالف العدوان السعودي الإماراتي، وهذا لا يعد فضلا منا وإنما واجب ومبدأ تبنيناه وحملناه على عاتقنا وجاءت الفرصة المناسبة لترجمته بشكل فعلي.
لماذا نقول إن القضية الفلسطينية قضيتنا المركزية وبوصلتنا؟
البعض لا يدرك دلالات هذه العبارة ويتساءل كيف يمكن لشعب وقيادة أن تجعل قضية شعب ووطن آخر قضيتها المركزية وبوصلتها؟
في البداية وبمراجعة بسيطة للتاريخ القريب نلاحظ أن العرب لم يصابوا بالخذلان إلا عندما خذلوا فلسطين واتخذوا موقف التطبيع والانبطاح، وكانت ذروة المجد هي الفترة التي ناصروا فيها قضية فلسطين بصدق وإخلاص.
بالنسبة لليمن خاض السيد القائد ومن معه من المخلصون معركة دفاع ضد صهاينة العرب وأذيال أمريكا وكانت الاستعدادات بحجم المعركة وذلك كان كفيلا ببناء أسس الاشتباك الرادع للمواجهة اللاحقة والمباشرة مع أمريكا والكيان وقوى الشر قاطبة عندما لزم الأمر بدء المساندة وكانت المراحل من الأولى إلى الثالثة تجارب أثمرت نتائجها في تطور عسكري غير مسبوق، حرصا على الوصول إلى مرحلة فاعلية السلاح من حيث تحقيق الإصابة بدقة وتجاوز أحدث منظومات الدفاع وصولا إلى عمق الكيان وإلى البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية، بمعنى أن المواجهة المباشرة كانت بفضل الله عز وجل سببا في التطوير والتحديث والتصنيع وتحقيق إنجازات وقفزات لم يكن العدو يتوقعها. وهنا نلحظ أن مناصرة فلسطين أكسبتنا سلاح ردع لم نكتسبه في معركتنا مع الأذيال وذلك بسبب الاحتياج ليكون الموقف فاعلا ومؤثرا وحاسما، وستظل هذه المكتسبات صمام أمان لليمن، وهي العدة والعتاد الذي أوصانا الله عز وجل بتجهيزها (وأعدوا) في مواجهة أعداء الله والإنسانية، فكانت الفائدة الأولى لغزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام، بما أفضت إليه المعركة من اتفاق لوقف إطلاق النار، وهنا تتجلى دلالة تصنيف القضية بالأساسية والأولى والمركزية ووصفها بالبوصلة التي انعكست فوائدها على اليمن في اكتساب سلاح يمكننا حاليا ومستقبلا من ردع الطامعين والساعين لإعادة التبعية، مع العلم أن الفائدة الثانية لم تكن ضمن أهداف المساندة ولكنها تأتي تلقائيا ضمن النتائج.
الآن، وبعد انتهاء معركة "طوفان الأقصى" وفي حال نفذ العدو الاتفاق والتزم بوقف الاعتداء وإدخال المساعدات وعادت الحياة للقطاع، يدخل اليمن مرحلة حسم القضية اليمنية مع الأذيال (السعودية والإمارات) وأدوات الأذيال (المرتزقة المحليين)، ولأننا توكلنا على الله عز وجل وجعلنا فلسطين قضيتنا الاولى وبوصلتنا سندخل معركة الحسم الثانية بتفوق واقتدار بفضل الله، فمن أجبر قوى عظمى على الرضوخ للسلام لن يعجز بإذن الله على إجبار الصغار للجنوح للسلام العادل والمشرف.
ومن ناصر فلسطين فهو قطعا مع الحق وليس مع الخانعين والخاضعين ولا يرضى التبعية، وهكذا هي معادلة النصر المنعكسة على مناصرة الأقصى.
أما عن الحسم الثالث فسيكون في خضم معركة داخلية لا تقل أهمية عن الخارجية، بل وتؤسس للانتصار المبين وتقطع دابر العدو، وهي المعركة التي بدأها السيد القائد بالمرحلة الأولى من التغييرات الجذرية وحان الوقت لاستكمالها باستيفاء متطلبات المرحلة الأولى والبدء الفوري في تنفيذ المرحلة الثانية وتحقيق العدالة بشكلها الأمثل ورفع المظالم ومحاكمة هوامير الفساد واستعادة الأموال التي نهبوها وتمكين الكفاءات وتفعيل الرقابة والمحاسبة والتقييم والعقاب والثواب بشكل مصاحب ومستمر، واتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من خطوات تؤدي إلى تحسين الوضع المعيشي والخدمي والله الموفق والمستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات