تقرير / لا ميديا -
في خرقٍ جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، وتمادٍ سافر في جرائم القتل، عادت الطائرات الصهيونية، أمس الثلاثاء، لتسقط الموت في شوارع غزة، مستهدفة المدنيين العزّل أثناء محاولتهم العودة إلى بيوتهم المدمّرة، لتؤكد مجدداً أن العدو الصهيوني لا يعرف سوى لغة الدم والقتل، وأن اتفاقاته لا تساوي الحبر الذي تُكتب به.
وأفادت مصادر محلية وطبية في غزة بأن طائرات مسيّرة صهيونية من نوع «كواد كابتر» فتحت نيرانها على مدنيين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بينما كانوا يتفقدون ما تبقّى من منازلهم المهدّمة. وأسفر عن القصف ارتقاء خمسة شهداء وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، نقلوا إلى المستشفى المعمداني الذي يرزح منذ أسابيع تحت ضغطٍ إنساني خانق نتيجة نقص المعدات والأدوية بسبب الحصار.
ولم تكتفِ آلة الحرب الصهيونية بذلك، بل أطلقت آلياتها المتمركزة شرق المدينة نيرانها بكثافة على المارة، لتضاعف حصيلة الضحايا وتحوّل اليوم المرهق في غزة المدمرة إلى مشهد رعبٍ جديدٍ للأهالي الذين لم يلتقطوا أنفاسهم بعد إبادة دامت سنتين وانتهت -نظرياً- باتفاق تهدئة هشّ.
وفي الجنوب، قصفت طائرة مسيّرة بلدة الفخاري شرق خان يونس، ما أدى إلى استشهاد فلسطيني وإصابة آخر. كما أُلقيت قنابل في محيط عيادة عبسان وشارع أبو صلاح في بلدة عبسان الكبيرة، في مشهدٍ وصفه شهود العيان بأنه «استفزازي ومتعمد»، لتذكير السكان أن الاحتلال لا يلتزم بعهوده ولا يحترم حياة المدنيين.
هذا التصعيد الصهيوني جاء بعد ثلاثة أيام فقط من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وفق ما أقرّت به وسائل إعلام العدو نفسها، لتكشف زيف ادعاءات «التهدئة الإنسانية»، وتؤكد أن الكيان يواصل حربه العدوانية رغم الاتفاق الذي وُقّع بوساطة دولية.

 حماس: العدو لا يريد سلاماً
وأدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس هذا الخرق ببيان رسمي، إذ أكد الناطق باسمها حازم قاسم أن «استهداف المدنيين يشكل انتهاكاً خطيراً وصارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار»، داعياً الأطراف الراعية إلى التدخل العاجل لمنع الاحتلال من التملص من التزاماته. وأضاف قاسم: «ما جرى صباح اليوم هو دليل جديد على أن هذا العدو لا يلتزم إلا بسياسة القتل والتدمير، وأنه لا يريد سلاماً بل يسعى إلى فرض واقع الإبادة على أهل غزة».
وكانت حماس أعلنت، قبل أيام، التوصل إلى اتفاقٍ دائمٍ لوقف إطلاق النار يتضمن انسحاب قوات الاحتلال وفتح معبر رفح وتبادل الأسرى. كما صادقت حكومة الاحتلال على الاتفاق، الذي نصّ على وقف القتال «بشكلٍ كامل». لكن الواقع الميداني أظهر العكس تماماً؛ إذ واصل العدو الصهيوني هجماته الجوية والبرية، ليؤكد أن هدنته مجرد خدعة إعلامية لامتصاص الضغوط الدولية وإحدى المراوغات الأمريكية الصهيونية الكبيرة.
وخلال الإبادة، ألقت «إسرائيل» أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، وهو رقم مهول يوازي ما استُخدم في حروب عالمية، وأسفر عنه استشهاد 67211 فلسطينياً وإصابة 169961 آخرين، إلى جانب أكثر من 10 آلاف مفقود ما زال مصيرهم مجهولا تحت الركام.

صوت المقاومة.. ورمزية الحرية
كما وعدت، حررت المقاومة في صفقة تبادل الأسرى اثنين من أبطال «نفق الحرية»، هما أيهم كممجي ومحمود العارضة.
وكان الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة، قد وعد أسرى النفق بتحريرهم في الصفقات اللاحقة التي ستجريها حماس مع الاحتلال.
وفي قاعة الاستقبال المخصصة للأسرى المحررين من أصحاب «المؤبدات» والمبعدين إلى مصر، تحدث مهندس عملية الهروب من سجن جلبوع، محمود العارضة، لوسائل الإعلام، قائلاً: «الفضل الكبير لأهل غزة ولكل من ساند المقاومة في لبنان واليمن، والفرحة بالتحرر ما كانت تتم لولا المقاومة وتضحيات أهل القطاع».
ويعد العارضة أحد أبطال «نفق الحرية» والذي كانت الملعقة جزءاً من أدوات حفر النفق، ليؤكد أن «التضحيات ستبقى منارة للأحرار في طريق التحرير».
وحمل ظهور العارضة بعد الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى رمزية عميقة؛ إذ تناول فطوره الأول خارج السجون بابتسامة، قائلاً ضاحكاً: «أول لقاء بيني وبين الملعقة بعد أربع سنوات»، في مشهدٍ يشير الى الجرائم والتنكيل الذي يتعرض له المختطفين الفلسطينيين في زنازين الاحتلال الصهيوني وكذلك يشير الى الرعب للعدو الصهيوني الذي حرم العارضة من الملعقة خوفا من أن يستخدمها كسلاح.
يُذكر أنّ محمود العارضة يُعدّ العقل المدبّر لعملية «نفق الحرية» من سجن جلبوع عام 2021، وهي العملية التي شكّلت محطة تاريخية في مسيرة نضال المختطفين الفلسطينيين.
هذا وانتزع 250 مختطفا فلسطينياً، بينهم أصحاب «الأحكام» العالية و»المؤبّدات»، إضافةً إلى 1718 شخصاً من قطاع غزة اختطفتهم الاحتلال خلال الإبادة، حريتهم ضمن صفقة تبادل شملت إبعاد 154 أسيراً إلى مصر بينهم القائد محمود العارضة، مقابل إفراج المقاومة عن 20 أسيراً للعدو.

إسبانيا: السلام لا يعني الإفلات من العقاب
في موقفٍ نادرٍ، شدّد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، على أن «السلام لا يمكن أن يعني الإفلات من العقاب»، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن الإبادة في غزة أمام القضاء الدولي، في إشارة صريحة إلى رئيس حكومة الاحتلال المجرم بنيامين نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، اللذين صدرت بحقهما مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف سانشيز: «لن نسمح أن يتحول وقف النار إلى غطاء للنسيان، فدماء الأطفال ليست بنداً تفاوضياً»، مؤكداً أن إسبانيا ستبقي على حظر بيع وشراء الأسلحة مع «إسرائيل» حتى تُترجم الهدنة إلى سلامٍ عادلٍ ودائم.
بدوره قرر الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، منح الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية وسام «بوياكا»، وهو أعلى وسام في جمهورية كولومبيا.
وقال الرئيس الكولومبي إنه الشيء الوحيد الذي أستطيع منحه إياه.

تواطؤ الشركات الأميركية مع العدو الصهيوني
لم يتوقف التواطؤ مع الاحتلال عند حدود الحكومات، بل تعدّاه إلى كبرى الشركات التكنولوجية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص. فقد كشفت وكالة «بلومبرغ» أنّ شركة «أمازون» فصلت المهندس الفلسطيني أحمد شحرور بسبب احتجاجه على علاقة الشركة مع «إسرائيل» ضمن «مشروع نيمبوس» الذي يزوّد قوات الاحتلال بخدمات حوسبة سحابية. وقال شحرور في رسالة لزملائه: «أمازون ليست مراقباً محايداً. نحن شركاء في الجريمة».