عقم الانتظار
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
تسير المنطقة وفق أولويات (صينية - روسية) في تنظيم خطوط المجابهة مع الغرب الجماعي والتقليل قدر الإمكان من بؤر المجابهة الجانبية التي من الممكن أن تستنزف الطرفين (روسيا تحديدا) في سعيهما لكسر الهيمنة الغربية على العالم.
تحتاج كل من روسيا والصين تفاهمات تحيد بالحد الأدنى قوى إقليمية كتركيا ودول الخليج. القطعة الناقصة في هذا التحليل هي إيران، التي انزاحت تدريجيا باتجاه المحور الأوراسي وباتت جزءا منه، أصبحت مضطرة لإدراج سياساتها في الإقليم ضمن الرؤية (الصينية -الروسية) الشاملة للصراع، وهذا يغلب منطق الدولة «العقلاني» على منطق الثورة «الأيديولوجي».
هذا التحول الحاصل يكبل أطراف محور المقاومة التي تتعرض ساحات عمله لحصار أمريكي مطبق مع اختلاف خصوصية هذه الساحات وقدرتها على احتمال الضغوط، حيث تبدو الساحة اللبنانية الأكثر هشاشة والأكثر قابلية اليوم للغرق في فوضى شاملة بعد تآكل مستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لغاية الآن لا يمكن التكهن بمفاعيل التهدئة الإقليمية بين إيران والسعودية والترجمة الممكنة لهذه التهدئة في ساحات المنطقة. التهدئة في جوهرها أمنية وهي لا يمكن أن تترجم في السياسة بما يخرق سقوف العمل الأميركية في المنطقة والاستراتيجية المرسومة فيها والقاضية باستمرار الضغط على الساحات المحاصرة.
في كل الأحوال فإن تحييد سلاح الأطراف المستهدفة في هذه المعركة هو ورقة مجانية تعطى للطرف المقابل، ولو أنها في جوهرها تخدم استراتيجية المواجهة الأساسية والكبرى في العالم.
تفرض العقلانية اليوم على الطرف المحاصر وضع سلاحه على الرف وانتظار انفراجة في الإقليم بتقديري هي لن تأتي أبدا لأن حسابات الإقليم باتت مرتبطة بحسابات الصراع العالمي وهي رهن به، وهو صراع يبدو أنه سيكون طويلا ولن يحسم في المدى المنظور.
أما بالنسبة للعرب، فإن مشكلتهم عموماً، أنهم يدخلون اليوم زمن التحولات الدولية الكبرى دون دولة، مشكلتهم أنهم يدخلون هذا الزمن وهم مسجونون في أقفاص الهيمنة.
ذات المشكلات تسمعها في تونس وسوريا والأردن ولبنان واليمن ومصر... دون حلول طبعا. والحلول من داخل الصندوق (القفص) هي أوهام لا تؤدي إلا لمزيد من توالد المشكلات بلا نهاية.. كتلة ديموغرافية من عشرات ملايين البشر هي فريسة البطالة والفقر والموت المجاني.
ما تقدمه لك التحولات الدولية، إن كنت تمتلك دولة، هو الاستفادة من هوامش الصراع لتحسين شروط معاشك بالحد الأدنى، أما إن كنت بلا دولة فلن ينوبك من كل ما يجري سوى التصفيق كجمهور لنادي كرة قدم يجلس في المدرجات.

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات