أحمد القصير

أحمد القصير / لا ميديا -

عن أسباب وعواقب الأزمة بين عبد الناصر والشيوعيين بلسان "أحمد القصير"، من كوادر "حدتو" والحركة الشيوعية في مصر. وبالرغم من إقراره بالمؤامرة التي دُبّرت ضد عبد الناصر من الشيوعيين في العراق وبقية الأحزاب الشيوعية في مصر، إلا أنه بالنتيجة يُحمِّل عبد الناصر جزءا من المسؤولية بدون أي استدلال منطقي. ورغم ذلك يبقى لشهادته أهمية هنا.

مسؤولية عبدالناصر وتنكره لحدتو ودورها
بالرغم من كل شيء فإن عبد الناصر يتحمل مسؤولية الوصول بأزمة عامي 1958 - 1959 إلى أبعاد خطيرة. فقد قام بقمع الشيوعيين وفي القلب منهم حدتو، وذلك بالرغم من تشكيلها الصف الأول للقوى الوطنية الديمقراطية. وأصر أيضا على فرض صيغة الحزب الواحد. وكان ذلك من عوامل تجريف الحياة السياسية. كما أن النهضة الثقافية والفنية التي تمت في عهده قامت أساسا على أكتاف مجموعة كبيرة من كفاءات نوعية ومبدعين تكونت في فترة النظام الملكي، وكانت أغلبية هؤلاء المبدعين من الشيوعيين وأنصارهم. ولم يظهر أو يتشكل في عهد عبد الناصر مثل هذه النوعية من الكفاءات والمبدعين. ومن جانب آخر تنكر عبد الناصر للتاريخ المشترك بينه وبين الشيوعيين الذين تمثلهم حدتو تحديدا، ولم يضع ذلك التاريخ في اعتباره أثناء تصديه للأزمة مع العراق. كما تجاهل حقيقة أن تاريخه المشترك مع حدتو كان من عوامل نجاح ثورة 23 يوليو ذاتها. وفيما يلي مجرد إشارات توضح أن عبدالناصر تنكر للتاريخ:
 1 - اشتركت حدتو في تأسيس تنظيم الضباط الأحرار. وكان خالد محيي الدين وهو حدتاوي من بين الأعضاء الخمسة الذين أسسوا التنظيم. كما كانت حدتو هي التي تطبع منشوراته ويقوم ضباطها في الجيش بتوزيعها.
 2 - قامت حدتو أيضا بدور رئيسي في تنفيذ الثورة. وقد أشاد الجميع وأولهم عبد الناصر بالدور البطولي الذي قام به يوسف صديق ليلة الثورة، وهو من كوادر حدتو، وتم ضمه لمجلس قيادة الثورة تقديرا لذلك الدور.
 3 - لم يقتصر دور حدتو على المشاركة في ثورة يوليو سواء في التحضير أو في التنفيذ، فقد قامت بدعوة الشعب إلى تأييدها والالتفاف حولها. وطبقا لكلمات د. سمير أمين فإن حدتو وصفت حركة الجيش بأنها حركة شعبية "ونادت الشعب ليساند جيشه. وشحذت همم المثقفين للكتابة في جريدة الحركة". ويقصد سمير أمين بذلك مجلة "التحرير"، وهي مجلة صدرت في أعقاب قيام الثورة، وكان رئيس تحريرها في البداية الضابط أحمد حمروش الذي كان مسؤولا سياسيا عن قسم الجيش التابع لحدتو. كما كان حسن فؤاد وهو من كوادر حدتو وأبرز الفنانين التشكيليين هو المسؤول الفني للمجلة.
4 - ساهمت حدتو بدور هام في مقاومة غزو القوات البريطانية والفرنسية لبورسعيد. كما قامت بالدور الرئيسي في تنظيم المقاومة في بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي عام 1956.
لقد أخطأ عبد الناصر عندما قام بالتنكيل بالشيوعيين وتعذيبهم. ومن المآسي في هذا الصدد أن يتم إجبار المعتقلين الشيوعيين على القيام بأعمال سخرة وتكسير أحجار الجبل في "أبو زعبل". كما ارتكب خطيئة بتجاهله أن حدتو وقادتها كانوا أول ضحايا خطة العراقيين ومحاولتهم نقل قيادة العالم العربي من القاهرة إلى بغداد. تجاهل عبد الناصر ذلك وقام بتقديمهم للمحاكمة أمام محكمة عسكرية خاصة برئاسة هلال عبدالله هلال قائد سلاح المدفعية. لقد كان عبد الناصر يدرك أن حدتو هي القوى الفاعلة في الحركة الشيوعية، ويخشى وجودها بعد انفراده بالسلطة، خاصة بدءا من أبريل 1954. وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه "الجبهة الوطنية الديمقراطية" التي شكلتها حدتو عام 1953 لإعادة الحياة النيابية، وهي الجبهة التي أشركت حدتو فيها كلا من حزب الوفد والحزب الاشتراكي. وبسبب تلك الجبهة تعرض قادة حدتو وكوادرها للتعذيب بالسجن الحربي ما بين نوفمبر 1953 وفبراير 1954. وليست مصادفة أيضا أن تم تعذيب رفاق حدتو على نحو بشع ثانية في 1960 حيث تم قتل شهدي عطية الذي تم التآمر عليه من قبل في 1958 هو وبقية رفاق حدتو. وقد أفضت المحصلة النهائية لتلك التطورات إلى إضعاف القوى الوطنية في العالم العربي في مواجهة القوى الرجعية والاستعمارية.

أترك تعليقاً

التعليقات