كفاية استهبال!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لا تدري على ماذا يختصمون؟! ولا علام يختلفون؟! المسألة أبسط بكثير جدا من كل هذا التعقيد والأخذ والرد. لا تستدعي هذا الجزر والمد، ولا كل هذا الشد والصد. الحل سهل جدا، لا يحتاج الأمر كل هذا اللت والعجن. هناك دولة متنازع في أمرها، وأركان الدولة أربعة: أرض، شعب، نظام، حكومة. ومحور ارتكاز كل هذه الأركان هو الشعب، وينبغي في كل زمان ومكان، الاحتكام له والإذعان.
هذا العرف السائد على هذه البسيطة. وهو مشتق من نظام خلق هذا الكون، وغدا سنة من سنن خالقه جل جلاله. الأرض تعني السيادة والشعب يعني الإرادة، والنظام يعني العقد بين الحاكم والمحكوم، والحكومة تعني مسؤولية التزام هذا العقد وإنفاذه، خدمة هذا الشعب، وحماية سيادة الأرض وتعميرها وفق شريعة الله الفرد الصمد المعبود، وبما يحقق الحكمة من خلق الوجود.
لماذا إذن هذا الغي؟! وبأي وجه حق إذن يعمهون في غيهم؟! أيريدون بدلا عن سنة الله في خلقه؟! إنهم إذن أظلم الظالمين لأنفسهم أولاً وما خلاهم مِن الخلق. هذا إذن باطل صريح لا ينبغي له أن يصول ويجول أو يغدو مرتكزا ولا أن يكون مرجعا يحتكم إليه خلق الله، وبه يعتدون! مالهم إذن يأخذون ببعض الكتاب ويردون بعضه؟! وما عذرنا إن رضينا أو سمحنا بهذا الباطل؟!
الشعب ما هو موقعه في هذا النزاع الثائر والصراع الدائر. إنه -مع الأسف- في خبر كان. اسم ممنوع من الصرف، وفاعل غائب. ضمير مستتر جرى قسرا جعله بحكم المنحل أو في أحسن الأحوال جعلوه ضميرا مستترا لفاعل منحسر تقديره “نحن الشعب”. هذا لسان أطراف في الحرب، تصر على اختزال الدولة والشعب والسلطة والثروة في شخوصها هي وحدها لا شريك لها، وباسم الشعب!
هؤلاء يعزفون بكل بجاحة ويغنون بكل صفاقة على نغمة “استعادة الدولة” وهم يواصلون إضاعة هذه الدولة، وتفتيتها عمدا، ونسفها قصدا، وإباحتها كيانا ونظاما، أرضا وشعبا، أمنا واستقرارا، سيادة واستقلالا، حاضرا ومستقبلا. يتشدقون باستعادة الدولة وهم يواصلون بكل نهم اغتصابها إرادة وإدارة، وينكبون على مسخها هوية ومقدرة ووجهة، ورهنها لأطماع الخارج، موقعا وثروة.
هذا منهج “لصوص ومبهررين”! منهج وقح جدا لنهج أوقح. نهج باطل بجح بالشر ينضح. تجبر بائن وظلم كائن من حلف ظالمين يتعاونون على الإثم والعدوان لا على البر والإحسان. عدوان غاشم لا غبار عليه أو التباس فيه ولا شبهة به أو شك فيه. استبداد سافر غايته استعباد فاجر، وإلا ما كانوا فعلوا بالشعب كل ما فعلوه، مع سبق الإصرار والترصد، وبكل قصد وتعمد، منذ 2011 وحتى اليوم.
لا ينبغي نسيان هذا، فما فعلوه، لا سابق له في تاريخ الدول. أثبت أنهم سوس لا ساسة، وخُدام للخارج لا حُكام للداخل، وإلا ما دكوا أركان الدولة ركنا ركنا، وما فرطوا بالسيادة، ولا خرقوا النظام، ولا أقصوا الشعب وتجاهلوه، وما نكلوا به إرهابا وقتلا، جرحا وتشريدا، وما أنهكوه وحاصروه، وأفقروه بقطع رواتب معيليه وإعدام فرص العمل وفسح الأمل، وما تعمدوا خنقه وإذلاله بسياط الخدمات!
لا يستحي مَن ظلوا عقودا في الحكم عابثين وناهبين، وعاثوا في البلاد فسادا وسعوا في مسخ قيم المجتمع مفسدين، وأشاعوا الملق والنفاق، وأعلوا شأن الأدعياء والطالحين، وأقصوا الأكفاء والصالحين، ونشروا الغبن والشقاق، وأباحوا عبث الإنفاق وجعلوه مضمار سباق، وأجازوا العمالة للخارج ودنس الارتزاق، وأحكموا على الشعب ضيق الخناق، حدا تجاوز بفراسخ الاحتقان إلى الاختناق!
لا يتحرج هؤلاء أو يندى لأي منهم جبين بعدما أراقوا ماء وجوههم، واعتمدوا الهين مستشارين ومعاونين، واعتنقوا الخيانة واستمرأوا دنس العمالة، فحكموا -ومازالوا- بالارتهان التام للخارج على حساب الامتهان العام للداخل، مقابل “محاصصة” المناصب وتقاسم المكاسب والغنائم وتعويم النوائب والمغارم، غير آبهين بإرادة الشعب، ولا مكترثين بمعاناته أو حتى غضبه وثورته!
لهذا، يبقى الحل المتاح هو استعادة الاعتبار لإرادة الشعب الحرة. إنهاء الإنكار الفج لهذه الإرادة المرجعية وتحريرها من آثار صدمة الانقلاب عليها وخدر التبلد وزيف دثار المتمردين عليها. استعادة الشعب سلطته وفرض الاحتكام لإرادته، باعتباره المعني الأول بالقرار، وصاحب المصلحة الأول في الاختيار الحر لمن يحكمه وبأي نظام ووفق أي وجهة ومسار، ودون أي تدخل أو قسر وإجبار.

أترك تعليقاً

التعليقات