يوسف أسار ذلك المظلوم
 

علي العماد

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يتعرض تاريخ أي بلد من البلدان، لما تعرض له تاريخ اليمن قبل الإسلام من المحو والتحريف والدس وقلب الحقائق، واختراع أحداث وشخصيات ومآثر لهذه الشخصيات الوهمية. وذلك كله يوحي بأن هنالك رغبة بالانتقام من اليمن حضارة وتاريخ ووجهة دينية قائمة على الوحدانية من قبل أعداء الرحمن الذين باتوا على رأس الدولة الإسلامية، معيدين الحلف القديم بينهم وبين الكنيسة الأرثوذكسية المنوفيزية ممثلة بالروم والحبشة مجدداً إلى الواجهة، حاكماً على العالم حينها.
هذا ما تجلوه الحقائق التاريخية التي تضمنها كتاب الرحمن اللغز الأكبر، للباحث والأديب نشوان دماج. ولعل ما يحسب له دون سواه على الأقل، هو: أنه أعاد معظم الكليات إلى نصابها، وكشف النقاب عن كثير من تلك الأوهام التي تم اعتبارها مسلمات لا تقبل الدحض. وكان من أبرزها: قضية يهودية الملك يوسف أسار يثأر، ورد الاعتبار لهذا الملك المؤمن العظيم.
يبين الباحث أن هذا الانطباع السلبي الذي تركته كتب الدارسين والباحثين عن شخصية الملك يوسف أسار يثأر كان متأتيا في مجمله إن لم يكن في كليته مما ذكرته كتب الإخباريين عن الملك ذي نواس، والذي استقته من روايات هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأبيه المتأثرين بدورهما كما يذكر الدكتور جواد علي بروايات عبيد بن شرية، نديم معاوية الأثير، ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم من قصاص الأساطير ورواة الخرافات والسمر المستمد، خصوصا في مسألة كون الملك ذي نواس يهوديًا مقابل مسيحيين اضطهدهم ونكل بهم، وكذلك من الروايات في الجانب الآخر: السريان، أصحاب المروية التي شنعت على الملك يوسف أسار. بالتالي لا غرابة أن نجد عددًا من الباحثين يشنون هجومًا ضاريًا على هذا الملك من منطلق كونه يهوديًا اضطهد «مسيحيين» واعتمد في حروبه ضد الغزاة الأحباش على مجموعة رعاع وهمج من أوباش وأعراب كانوا سبباً في نكاله وهزيمته واندحاره. فيما تم تصوير الطرف الآخر على أنهم أصحاب مظلومية اضطهادية دينية كبرى، كـ»الهولوكوست» تماماً، وهي مظلومية المحرقة التي قالوا إن الملك ارتكبها في حق تلك الجماعة المضطهدة.
أما عن الزعم بيهوديته، فيقول صاحب هذا الكتاب: لم يستند المؤرخون والباحثون على أي دليل علمي مادي يثبت يهودية الملك يوسف أسار أو علاقته باليهودية. كل ما هنالك أنهم وجدوا مجموعة تلفيقات استمدوها من كتب الإخباريين وبنوا عليها معطياتهم بأن الاسم يوسف لا بد أن يكون على علاقة بالديانة اليهودية. وبالتالي فاعتبارات الاسم وما سطره مونوفيزيون متعصبون لأبناء مذهبهم في نجران، وما كالوه من التهم للملك يوسف أسار، من كونه حارب دين المسيح، هي التي جعلت مرجعا لأولئك المؤرخين والباحثين في اعتبار ذلك الملك يهودياً. وهذا يحيلنا إلى الآية الكريمة من سورة آل عمران: «مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يهوديًا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مسلمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (67). فمحاولة الفئتين الاستئثار بإبراهيم أنه يهودي أو نصراني هي تمامًا كمحاولة جعل الاسم يوسف خاصًا باليهودية. فإبراهيم أصلاً هو قبل اليهودية والمسيحية، وكذلك يوسف وأبوه وجده عليهم السلام، كلهم قبل اليهودية، فكيف يصبحون محسوبين عليها؟!

أترك تعليقاً

التعليقات