ترامب يقرأ العالم من «مؤخرته»!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
لنا أن نسأل عن عامل واحد -هو الأهم- في تفكك واندثار الاتحاد السوفييتي. وإني أتطوع بالتأكيد بالقول إن هذا العامل هو تقديس ما عُرفت بالنظرية الشيوعية.
ولو سألنا بالمقابل: لماذا ظلت الشيوعية في الصين ولم يحصل ما حصل مع السوفييت؟ فإني أجيب: لأن الصين لم تقدّس النظرية الشيوعية، وسارت مبكراً في تغيير المزج بين الاشتراكية والرأسمالية، وذلك ما قدمته "شنغهاي" كمنطقة حرة وصولاً إلى حالة هونج كونج ومكاو... إلخ.
بالمقابل فإن تقديس الرأسمالية هو العامل الأساسي لضعف أمريكا واستمرار مسارها من ضعف إلى ضعف. ومثلما اشتراكية الخيار الشيوعي كانت الحكم والحاكم في الاتحاد السوفييتي، فوق أن يتباين معها أو يتقاطع أي أحد، وأياً كان، فالرأسمالية هي الحاكم، وهي الدولة العميقة وغير العميقة، ومثلما ظل السوفييت يبحثون عن حلحلة أوضاع وتأزمات في الواقع، ولكن تحت سقف الخيار المقدس "الشيوعية"، فذلك هو كل ما تعمله أمريكا، ولكن تحت السقف المقدس المفروض، وهو "الرأسمالية"، ولذلك فأمريكا لم تستطع حتى الآن القفز كما معالجات الصين؛ لأنه غير متاح وغير مسموح على ربط مشاكل أمريكا بسقفها المقدس (الرأسمالية).
بالمناسبة فإن أحد الرؤساء الأمريكيين، أظنه آيزنهاور، في خطاب وجهه للشعب الأمريكي، وفي ذروة المد الشيوعي عالمياً، قال مخاطباً الشعب الأمريكي: "عدوكم في المستقبل لن تكون الشيوعية كما تظنون، بل إن الرأسمالية هي عدوكم في المستقبل".
ولهذا، ينبغي ملاحظة أنه يسمح بتعاطي عنوان وعبارة "الدولة العميقة" في بعض القرارات. والرئيس الحالي ترامب يستعمل هذا العنوان المطاطي، فيما لا يسمح بتحميل الرأسمالية المسؤولية وهي سبب وأساس كل الكوارث المجتمعية في أمريكا، بل وفي كل العالم.
ولهذا فإن ما قاله أحد الرؤساء الأمريكيين في سبعينيات القرن الماضي أصبح بعد ذلك من المحرمات والمجرمات، وأقصى متاح هو استعمال مطاطية "الدولة العميقة" الحمالة للأوجه، وهي لا تربط بالرأسمالية في تعاطي ترامب أو غيره.
إنني هنا لا أتعاطى لإثبات أن هذه المشكلة هي مشكلة أمريكية ومشكلة للعالم، ولكن أمريكا إذا ظلت تتعاطى مع مشاكلها الداخلية -وربطاً بها مع العالم- تحت سقف "الرأسمالية" ودون أي مس بها في مسار السوفييت حين ظلوا يبحثون عن حلول وحلحلة تحت سقف مقدسهم الشيوعي كما مقدس أمريكا الرأسمالي الإمبريالي، وبالتالي فأمريكا ستظل في التضعضع القائم حتى الوصول إلى الضياع.
في مسائل الواقعية والواقع على مستوى الأمم والقوة والحضارة، فالإعلام، ومتراكم ما تُعرف الإمبراطوريات الإعلامية، لا جدوى منه وفاقد المردود، لأنه ليس أكثر من تنظير لا علاقة له بواقع الناس وحياتهم ومعاناتهم، والتنظير الشيوعي أو الرأسمالي يصبح مجرد تنظير لشيء من الأوهام والأحلام.
لا تتوقفوا عند المدلول الظاهر المباشر لعبارة ترامب أنه جاء لإعادة عظمة أمريكا، وإعادة العظمة، لأن الأهم في هذه العبارة هو أنه لم تعد الأعظم ولا العظمى.
ترامب أو غيره لا يستطيع حلحلة مشاكل في واقع أمريكا إلا عندما يقتحم معقل الرأسمالية بمعالجات بجرأة الصين، وبالتالي فترامب ليس غبياً، ولكن قراءاته وكذلك قراراته غبية، لأنه لم يعد مُتاحاً له حتى أن يقول للشعب الأمريكي ما قاله رئيس سابق للأمريكيين: عدوكم هي الرأسمالية، ولم تعد الشيوعية.
ولهذا فمن أكبر مهازل إلغاء مصادرة الفهم والعقل هو إقناعنا بإعادة عظمة دولة مثل أمريكا برفع نسبة أو معدل الرسوم الجمركية. وبالتالي فمثلما ظل السوفييت يرفضون الاعتراف بأن مشكلتهم هي في استحالة تطبيق النظرية الشيوعية، كما لم يطرقوا معالجات جزيئة كما الصين، فأمريكا هي في العجز ذاته وفي المشكلة ذاتها، وهي معطى للرأسمالية والإمبريالية، ولهذا فكل الممارس من قبل ترامب ومن سبقه هي مجرد أفعال عابثة وتفعيل عبثي، كما حالة "البرويسترويكا" للرئيس السوفييتي جورباتشوف. وهذا المد والتمطيط العبثي مجرد "ضحك على الدقون" لا يحل مشكلة لأمريكا الوطن والشعب، ولكن يتيح الاستمرارية للرأسمالية الإمبريالية إلى حين.
ما دامت أولوية ترامب البحث عن عالم يقبّل مؤخرته فهو لا يختلف عن شاكيرا، الفنانة التي عُرفت واشتهرت لفترة، وقدمت أعلى تأمين من أجل مؤخرتها، فعظمة أمريكا هي في مؤخرة أمريكا، ذبلت وهزلت بوضوح في ظل ثنائية بايدن وترامب... والبقية تأتي!

أترك تعليقاً

التعليقات