«فرق تسد» في الوصاية السعودية
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
في منهجنا الدراسي ظل يُطرح أن الاستعمار اتبع مبدأ "فَرِّقْ تَسُدْ"، ومع ذلك لم أكن أجرؤ أن أسأل الأستاذ إن كان المستهدفون بهذا المبدأ الاستعماري لا يعرفون عنه ولا يعون.
وكلما تنامى وعيي وتذكرت هذا المثل أو المبدأ كنت أقنع نفسي بأنني كنت بريئاً ونقياًح لكنني الآن وقد إشتعل الرأس شيباً لا أرى نفسي إلا أنني كنت، في أحسن الأحوال وفي التوصيف الخفيف أو المخفف، ساذجاً.
الاستعمار ذاته والآن يطبق هذا المبدأ بشكل أوسع وأعمق، وكل الأطراف التي تستهدف في بلد واحد، أنظمة وحكاماً، يعون ويعرفون ذلك؛ ولكنهم كأنما باتوا مسيرين من الاستعمار الجديد (أمريكا) أكثر مما كانوا في ظل الاستعمار الأوروبي القديم.
هاهو الزمن بعد اشتعال رأسي شيباً يجيبني على سؤال لم أجرؤ على أن أطرحه على أستاذي في بداية شبابي.
كل هذه الأحزاب والقوى السياسية التي "تَسَعْوَدَتْ" ظلوا يحشون رؤوسنا وعقولنا بأن النظام السعودي هو العدو التاريخي لليمن، كنظام رجعي كل دوره خدمة الاستعمار القديم والجديد، وهو "إسرائيلي" الهوى والهوية، بل وهو رأس الحربة الأقوى والأعمق والأوسع تأثيراً من "إسرائيل" ضد العروبة وضد الإسلام.
لا يوجد حزب سياسي أو تيار -باستثناء "الإخوان"- لم يهاجم الوصاية السعودية. وتذكروا مقطعاً من أغنية سياسية هي الأشهر للفنان محمد مرشد ناجي تقول: "باعوا الأصابع وخلوا الجسم للديدان".
النشيد الوطني الذي اعتمد لدولة الوحدة كان النشيد الوطني لجمهورية اليمن الديمقراطية، وآخر مقطع فيه يقول: "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا".
دعوني أسأل: هل يوجد يمني لا يعرف من المقصود بمقطع "باعوا الأصابع وخلوا الجسم للديدان"؟! المقصود كان النظام في صنعاء، والبيع المقصود هو البيع للنظام السعودي.
ومن المقصود بمقطع "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"؟! الكل يعرف أن المقصود الوصاية السعودية على اليمن. والوصاية السعودية على اليمن هي مد وامتداد استعماري عربي أمريكي بكل تأكيد، ولنا اعتبار وجود القوات المصرية في اليمن ووصول الشيوعية إلى عدن هو مد تحرري، مع ما في ذلك من التباس أو شبه أنه بالتأكيد.
كيف لنا مقارنة الوصاية السعودية التي منعت أي مشروع يمني أو لصالح اليمن، وكذلك وصول المد الشيوعي إلى عدن، مع ما يزعمونه من وصاية إيرانية؟!
الوهابية فُرضت فرضاً في واقع اليمن، والشيوعية فُرضت فرضاً كذلك؛ ولكن المذهب الاثني عشري الشيعي الإيراني لم يُفرض، ولا وجود له إلا كأفراد زرعهم نظام سابق لفبركة وإلصاق تهمة لا أساس لها ولا مكان لها في الواقع. فهل شاهدتم أناساً يضربون أنفسهم في اليمن؟! وهل انتشرت العمائم السوداء في اليمن؟!
لا وجود لذلك، ونحن بهذا الطرح لا نعيب ولا نهاجم مذهباً ولا نختلف مع إيران كبلد إسلامي شقيق يدعم المقاومة ويسير مع محور المقاومة في نضال لتحرير فلسطين واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية؛ ولكننا نفند ببغاوية من يرددون "الوصاية الإيرانية".
الوصاية هي أن يستقبل السفير السعودي الرئيس اليمني في المهرة. أما السفير الإيراني فيتعامل معه كما يتعامل مع السفراء في العالم، وهو يتعامل كما يتعامل أي سفير في كل بلدان العالم.
خطاب الرئيس السابق علي عبدالله صالح في أزمة وحرب 1994 ركز وارتكز على عبارة "الأموال المدنسة"، فهل زالت الدناسة بعد ذلك؟! أم زادت وتضاعفت في المشهد القائم الآن؟!
المئات -إن لم يكن الآلاف- تم محاكمتهم صورياً وتم إعدامهم كعملاء للنظام السعودي، وفي صنعاء صدرت أحكام إعدام على أساس العمالة للسعودية، كما مع محمد سالم باسندوة وعبدالله الأصنج، فكيف لمن أعدموا يمنيين بتهم العمالة للسعودية أن يسيروا هم وبمجاهرة وانغماس في أسوأ وأوقح عمالة للنظام السعودي ذاته، ولو أتيح لهم سيصدرون أحكاماً وينفذون إعدامات بتهمة "العمالة لإيران"، وإذا اقتضت مصالحهم سيعرضون أنفسهم كعملاء مع إيران وربما يحلمون بعودة وإعادة الشاه.
المشكلة لم تكن قبلاً كما ليست الآن في كون الاستعمار يتعامل بحكاية "فرق تسد"؛ ولكنها في عمالة أنظمة ونخب سياسية فاسدة ومفسدة وهي على استعداد لبيع كل الشعب وكامل الوطن وليس مجرد الأصابع وفق محمد مرشد ناجي.
وبعد ذلك سيرددون بوقاحة وبلا حياء: "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"! وحيث باتوا أدوات لأمريكا و"إسرائيل" وبريطانيا والنظام السعودي فلم يعد بإمكانهم إلا رفع أسطوانة "الوصاية الإيرانية"، وذلك ما أسسته وأرسته أمريكا و"إسرائيل" في المنطقة.
إذن، هؤلاء ينفذون أوامر أمريكا و"إسرائيل" والعدو التاريخي لليمن، فهل نحتاج لفكفكة الحكمة الاستعمارية "فرق تسد"؟!

أترك تعليقاً

التعليقات