مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
ظلت علاقة الاتحاد السوفييتي، وهو يقود الشيوعية عالمياً، بالصين (الشيوعية) أقرب إلى التوتر نتيجة أمور خلافية، أكان تجاه الشيوعية كنظرية أو ربطاً بأمور أخرى.
في الوضع القائم، الصين ما زال يحكمها الحزب الشيوعي، في ظل شمول الإصلاحات، رسملة ورأسمالية، بشكل مدروس ومنظم ومنضبط، بينما باتت روسيا تسير في الرأسمالية كخيار، وإن كان ليس وفق النمط الأمريكي الغربي.
المهم أنه في ظل هذا التباين غير العادي بين روسيا والصين، فالعلاقات بينهما لا تقارن مع الأرضية الشيوعية المشتركة في الماضي، وهما باتا في وضع تحالف تلقائي واستثنائي بات أبرز ظاهرة عالمية، بل وأقوى تحالف وبأرضية قوية وعميقة لا مثيل لها في أحلاف وتحالفات الغرب الرأسمالي.
تحالف الصين وروسيا تنسيقي استراتيجي يحسّ فيه كل العالم بالندية والاستقلالية، فيما التحالف الأمريكي - الغربي يمارس تسويقه كمجرد أداة تسويقية ولعبة سوقية فاقدة الحد الأدنى من القيم والمعايير الأخلاقية، ولا يحس فيه البتة بالندية أو الاستقلالية.
لقد انهزم السوفييت في الحرب الباردة، بسبب الجمود من ناحية، والتطرف الشيوعي من ناحية أخرى. ودفع النظام العالمي وعانى الكثير بسبب هذه الهزيمة السوفييتية. وبالمقابل فالتحالف الروسي - الصيني ها هو يحقق إنجازات وانتصارات أمام أمريكا والغرب الرأسمالي بما لا يُقارن مع الحقبة السوفييتية، ومن منظور القادم وليس فقط القائم. ولعل الواقعية والعقلانية في إدارة وقيادة، بل وتفعيل الحلف الروسي – الصيني، باتت تفضح هراء واهتراء أمريكا والغرب وتدفعهما إلى تصرفات جنون وتخبط مجنون.
ذلك لا يعني قرب انتهاء الصراع على طريقة هزيمة السوفييت؛ ولكنه يجسد ما يدور وما يعتمل في العالم، وبعيداً عن سوقية وتسويق أمريكي غربي سياسياً وإعلامياً وبكل أدواته الحديثة والمستحدثة ربطاً بالتقنيات والتطورات.
عندما يطرح الرئيس الأمريكي السابق بايدن أن روسيا هي عدو أمريكا الأول، وعندما يقول خلفه ترامب إن الصين هي عدو أمريكا الأول، فهذا بين الأساليب السوقية التسويقية الأمريكية - الغربية؛ لأن الاستعمار الأمريكي - الغربي هو عدو العالم وكل البشرية، وهذا هو الثابت تاريخياً بكل الوقائع والثبوتيات، والممارس هو ذاته، مع كل الشعارات الكاذبة المخادعة والتي لم يعد يصدقها حتى السذج.
إذا كان الاستعمار الإمبريالي هو في إيصال جاسوس "إسرائيلي" إلى منصب نائب الرئيس في سورية، فإن الاستعمار الديمقراطي يجسد إيصال العميل "الجولاني" إلى رئاسة سورية. وهكذا فالاستعمار يجدد ويعصرن شعاراته المخادعة؛ ولكن الاستعمار هو الاستعمار، وحديثه أبشع وأشنع من قديمه، حتى أن الإرهابي والمجرم المحتل لفلسطين هو من ينعت الشعب الفلسطيني بـ"الإرهاب"، في سياق التخريجات وقواعد اللعب الغربية المحدثة أمريكياً، فهل من فرق بين ضحايا هذا الاستعمار من الهنود الحُمر إلى أستراليا وجنوب أفريقيا، والإجرام والإبادة الجماعية في غزة؟!
فالتحالف الأمريكي الغربي هو تحالف استعماري، وسيظل تمطيط وتمديد هذا الاستعمار ليظل هدفه الأساسي، أياً كان ما يقدمه من واجهات مزيفة وشعارات خادعة وزائفة.
من أساس ومتراكم هذه الخلفية في واقع العالم، فهذا التحالف الصيني - الروسي بتشكله الجديد والفريد بات عنواناً لتحالف عالمي كبير وواسع.
ربما أهم مشكلة لهذا التحالف العالمي هي السقف الزمني الذي يحتاجه لفرض عالم متعدد الأقطاب أكثر واقعية وأكثر عدالة على مستوى العالم، وبالتالي فشعوب العالم يعنيها أن تعي أنها بصدد التعامل مع مشكلة ظلت أكثر من 500 سنة بما بات لها من متراكم متجدد، ومن تموضع مرتبط بهذا التجذر. فالنظام الدولي، أو "الأمم المتحدة"، بات مجرد رهينة لدى أمريكا، والشرعية الدولية باتت هي قواعد لعب هذا الاستعمار (قديمه وحديثه). ولنا تصور الزمن الذي يحتاج إليه لإعادة العالم إلى النظام المسمى "الأمم المتحدة" أو للوصول إلى نظام دولي جديد فوق أي استعمار وأي استعمال!
المهمة بالتأكيد شاقة وصعبة؛ ولكنها لم تعد من المحال؛ لأن العالم بالمقابل لم يعد يتحمل أو يقبل استمرار هذا الاستعمار، بكل ما يستعمله من واجهات وشعارات باتت مفضوحة في كل العالم.
إنها قضية نضال كل العالم، أو أغلبيته المطلقة كشعوب. وقضية نضال بهذا الحجم لا تُقاس بزمن أو بسقف زمني. ومع ذلك فإن ما يعتمل عالمياً يقدم إنجازات واعية ونوعية تنجز ويتحقق، وهو في الوقت ذاته يقدم الاستعمار في تهاوٍ وانهيار متدرج، بل إن أزمة الرأسمالية عالمياً وتحديداً في أمريكا ستكون نتائجها وتداعياتها المتسارعة تنخر أرضية وجسد هذا الاستعمار، وذلك ما سيمثل تسريعاً لانتصار النضال العالمي ضد الاستعمار والهيمنة الغربية!

أترك تعليقاً

التعليقات