مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
يعنينا استرجاع أهم مفردات الخطابين الأمريكي والروسي أو أهم عناوينهما لفهم خلفية وتبعات وأبعاد ما يجرى الآن.
كل عناوين ومفردات الخطاب الأمريكي كانت تسير بالدفع لحرب عالمية لأنها ترتكز واقعياً على إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
دعوكم من كل العناوين الواقعية والصراعية لنقول إن الحرب من طرف أمريكا والغرب كانت لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
دعوكم كذلك من عناوين الحروب الإعلامية والسياسية لنقول وبالمقابل إن الحرب من طرف روسيا كانت لمنع أمريكا والغرب من إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا.
أوكرانيا إذن هي ساحة الحرب التي اختارتها أمريكا لإلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا والغرب اصطف أمريكياً في إطار هذا الهدف.
الحرب إذن اختيرت لروسيا وأُجبرت عليها، ومادام ثقل روسيا ركز وارتكز على منع أمريكا والغرب من تحقيق انتصار استراتيجي على روسيا، فروسيا أخذت وضع وموقف الدفاع عن أمنها الواقعي.
ولعل ما أفضت إليه هذه الحرب حتى الآن يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الإعلام الأمريكي الغربي فقد سيناريو «شيطنة» روسيا، وقدمها بالمعتدية والعدوانية فقط لحشد العالم ما أمكن لإسناد أمريكا والغرب حتى إلحاق الهزيمة الاستراتيجية، وذلك ما استعملته أمريكا والغرب في حرب أفغانستان تحديداً.
روسيا بمتراكم تجاربها في خداع أمريكا والغرب بما تمتلكه من إمبراطورية إعلامية عالمية ومن قدرات ضغط كثيرة وكبيرة على معظم الأنظمة عالمياً وضعت «سيناريو» يحتوي ويستوعب واقع العالم على أبعد مدى وبنفس طويل، وحيث عينها على منع هزيمتها استراتيجياً، وهي لذلك لم تمارس ردود الفعل الأعلى على أوكرانيا ولا على أمريكا والغرب إلا في حدود أهمية واضطرارية الخاصية لإيصال رسائل لأوكرانيا ولأمريكا والغرب.
ولهذا فالقتلى والضحايا من الأوكرانيين المدنيين لا يقارن ولا يذكر أو يقاس بضحايا أصغر الحروب الأمريكية في العالم، ومع ذلك تعرضت روسيا لاستفزاز لا تقبل به دولة عظمى أقل من روسيا ولا تصبر على مثله، حيث قدمت تلفيقات لا أساس لها من الصحة وبناءً عليها أصدرت محكمة الجنايات الدولية حكماً بإلقاء القبض على رئيس روسيا «بوتين».
لأن روسيا لا هدف لها غير الحيلولة دون هزيمتها استراتيجياً، فالاستفزازات الكثيرة المتعددة لم تغير واقعية السيناريو الروسي.
ولذلك فالتصعيد الأمريكي الغربي هو الذي سار إلى انفعال وظل يمثّل ردود فعل متناقضة ومتخبطة، فيما التصعيد المقابل روسياً كان محتوياً ومنضبطاً للسيناريو الروسي كاستراتيجية، كون التصعيد الغربي كان متوقعاً ووضعت بدائل احتمالاته في السيناريو والاستراتيجية الروسية أصلاً.
لكل هذا فلا تصدقوا أن الحرب في أوكرانيا كانت من أفعال وخيارات «بايدن»، لأنها حرب أمريكية ومشروع أمريكي لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
لا تصدقوا كذلك أن عودة ترامب للبيت البيضاوي وانتهاء فترة «بايدن» هو الذي أحدث التغيير في المواقف والتعامل مع هذه الحرب.
كل ما في الأمر هو فشل الحرب الأمريكية الغربية في إلحاق الهزيمة الاستراتيجية وهو نجاح لروسيا في إفشال الهدف الأمريكي الأهم.
الدولة العميقة أو الحكم والحاكم الخفي في أمريكا لعب لعبته في إفشال ترامب للفوز بدورة ثانية تالية بعد الأولى ليفسح المجال لـ«بايدن» لشن الحرب التي اكتملت التهيئة لها في المسرح الأوكراني، وحين الوصول إلى فشل في تحقيق هدف الحرب الأساسي والأهم فذات المخرج هو الذي أعاد ترامب للبيت الأبيض ليقوم بالأدوار التي نتابعها.
أعرف تماماً أن روسيا ذاتها لا تريد طرحاً لهذا، بل باتت مصلحتها تقتضي أن يشاد بترامب وأن يصار إلى مسايرة الإدانة لبايدن حتى وهي تعرف أكثر مما نعرف عن المشاريع والألعاب الأمريكية وعن الدولة العميقة والحاكم الخفي للسياسات الأمريكية.
إفشال أمريكا والغرب في إلحاق هزيمة استراتيجية يجعل مسايرة المخرج الأمريكي برمي المسؤولية على أوكرانيا وما ترتب ربطاً بذلك على المستوى الأوروبي يجعل مصلحة روسيا في مسايرة موازية للخط الأمريكي الترامبي الجديد حتى لو كان ذلك ظاهرياً كفرضية.
الفشل الاستراتيجي الأمريكي الغربي ونجاح روسيا في هذا الإفشال جعل أمريكا تسّلم بالعالم متعدد الأقطاب، وذلك لا يعني أن أمريكا لم تعد عظمى وأنها باتت كما بريطانيا، ولكنها قبلت بحق التنافس دون هيمنة وقرارت أحادية كما حدث منذ تفتت الاتحاد السوفيتي.
عندما تقول أمريكا إنها تفكر بالانسحاب من الأمم المتحدة، فلذلك علاقة بالفشل في أوكرانيا والعالم مع ذلك لم يهتم ولم يكترث بمثل هذا الطرح الأمريكي أياً كانت أهدافه.
المطروح عالمياً ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا هو إصلاح نظام الأمم المتحدة واستعادة صلاحياتها التي استلبتها أو سرقتها فترة الهدنة الأمريكية الاستثنائية وتوسيع مجلس الأمن في أعضائه الدائمين بالحد الأدنى من العدل أو العدالة.
أمريكا ربما تريد الهروب أو التهرب من هذه الحقوق والاستحقاقات لكل العالم، ولذلك فنظرية انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة لعلها محاولة استعمال لـ»فيتو» لم يؤسس ولا أساس له.
فأمريكا كأنما تقول للعالم إن كنت سلمت بالعالم متعدد الأقطاب فبشرط ألا تمس حقوقاً تراها مكتبسة لأمريكا ولا يحق للعالم مناقشتها أو الانتقاص منها وإزاء مثل قد تقرّر الانسحاب من الأمم المتحدة.
تحت عنوان «الإرهاب» فأمريكا تعاقب من تريد وتبرئ من تريد، وحق النضال الشرعي والمشروع في مواثيق الأمم المتحدة تخضعه أمريكا لمزاجها، وحين يسير الزعيم عرفات في خطها تمنحه جائزة نوبل للسلام وفي أول تقاطع معها تعيده إلى قائمة الإرهاب، والسؤال الكبير المطروح عالمياً إذا كان النضال الفلسطيني المشروع ضد الاستعمار والاحتلال «إرهابا» كما تحاول أمريكا فرضه على العالم، فماذا يكون النضال المشروع في كل مواثيق وقرارت الأمم المتحدة؟!
رحمة بالعالم، فإنه لم تعد من أمنية لي غير انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة، وليحدث بعدها ما حدث!

أترك تعليقاً

التعليقات