السماء تنتظر قيامة الدم
- فهد شاكر أبو راس الأربعاء , 16 يـولـيـو , 2025 الساعة 12:30:11 AM
- 0 تعليقات
فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
في مشهد يكرّر أقسى فصول التاريخ جرماً وظلماً، تذوب مبادئ الأمم المتحدة ومجلس أمنها في دهاليز المصالح الغربية. لا شيء تغير في المشهد الفلسطيني. دماء الأطفال والنساء في غزة تسكب كالماء، والأجساد تدفن تحت الأنقاض بلا رحمة، وحصار خانق تحول إلى سلاح إبادة جماعية، وبغطاء أمريكي – أوروبي. و»مفاوضات الدوحة» ليست سوى ستار دخان لتمرير المزيد من المذابح، وما يسميه كيان الاحتلال «خرائط انسحاب» هو في حقيقة الأمر احتلال جديد لـ40% من جغرافيا قطاع غزة، وخدعة شيطانية تكشف الخبث اليهودي المعهود في ابتكار أساليب التضليل.
لقد تحولت المنظمات الدولية في غزة بصمتها المخزي إلى شركاء في الجريمة. والأمم المتحدة، التي تأسست لتحمي الضعفاء، تقف اليوم عاجزة أمام تجويع مليوني إنسان بدم بارد. ومجلس الأمن، الذي يفترض أن يحفظ السلام، يشهر «الفيتو» الأمريكي كسيف مصلت على رقبة الحق الفلسطيني. والغرب، الذي يتباكى على حقوق الإنسان، يغدق الأسلحة الفتاكة على المحتل، بينما يلاحق المتضامنين مع غزة في شوارع برلين ولندن وباريس... وأمريكا الراعي الرسمي للإبادة توفر الغطاء السياسي والعسكري والمالي لجرائم الحرب الصهيونية في غزة، وكأن دم الفلسطيني أرخص حتى من حبر التصريحات الدبلوماسية.
لكن غزة اليوم، المحاصرة، ولدت من رحم المعاناة أبطالاً حوَّلوا الأنقاض إلى ساحات مجد، واخترعوا تكتيكات حرب ستدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية: «العقد القتالية» الصغيرة التي تشبه أشباحاً تضرب في الظلام، والأنفاق التي تحولت إلى كوابيس تمزق صفوف العدوّ، والكمائن المرعبة التي تنفجر تباعاً وسط الدبابات الصهيونية كبركان من نار...
إنهم لا ينتظرون إنقاذاً من الخارج، فبندقياتهم هي دستورهم، ودماؤهم حبر استقلالهم. لقد حوّلوا فاتورة الدم التي أرادها الاحتلال رخيصة، إلى كابوس مالي وبشري يهدّد الكيان من الداخل.
والعجيب أن آلة القتل والإبادة الصهيونية المدعومة بأحدث أسلحة الغرب، التي انهارت أمام إرادة رجال خرجوا من تحت الركام ببنادق صدئة، وفشلت في القضاء على حماس واستعادة الأسرى وتحقيق أهدافها المعلنة، فشلت حتى في السيطرة على رقعة جغرافية صغيرة.
وفي العمق، تكشف غزة الوجه الحقيقي للغرب «المتحضر». فأمريكا التي بنت أمجادها على جماجم الهنود الحمر، وبريطانيا التي نهبت ثروات المستعمرات، وألمانيا التي تبكي على محرقتها المزعومة بينما تدعم المحرقة الفلسطينية الحقيقية، جميعهم يشتركون في ثقافة واحدة: ثقافة «دم الغير رخيص». ولكن التاريخ والحاضر يثبتان أن دماء الأبرياء لا تذهب سدى. ودماء غزة اليوم تحفر نهاية المشروع الصهيوني، وتفضح ازدواجية المعايير الدولية، وتعيد تعريف المقاومة كحق مقدَّس.
فليحتفظ الغرب بأسلحته الفتاكة، وليحتفظ مجلس الأمن الدولي بـ»الفيتو» المشين خاصته، وليواصل الكيان المحتلّ جرائمه تحت غطاء الدعم الأمريكي. فغزة تثبت أن الزمن لم يعد في صالحهم، ودم الشهيد الفلسطيني يتحول إلى قوة ردع كونية، تتحول الأنقاض إلى منصات انطلاق، والمجاعة تتحول إلى وقود للثورة.
يريد الكيان رسم خرائط لسرقة الأرض، بينما في المقابل ترسم المقاومة بدمائها خريطة الحرية التي ستُمحى منها كُلّ حدود الاحتلال. نعم، العالم يتواطأ؛ ولكن الأرض تنزف حقًّاً، والسماء تنتظر قيامة الدم.
المصدر فهد شاكر أبو راس
زيارة جميع مقالات: فهد شاكر أبو راس