فهد شاكر أبو راس

فهـد شاكـر أبوراس / لا ميديا -
الهجوم "الإسرائيلي" على وفد حماس في الدوحة ليس مجرد عملية عسكرية استهدافية عابرة، بل هو تصعيد خطير يستشرف مرحلة جديدة أكثر دموية وتعقيداً في الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وهو رسالة مبطنة لا تهدف فقط إلى تصفية القادة، بل إلى تصفية القضية برمتها، وإلى إرسال إنذار شديد اللهجة لكل من يقف حتى على أطراف مناصرة الحق الفلسطيني، بأنه ليس في مأمن من بطش الآلة العسكرية الصهيونية المدعومة بأكبر قوة في العالم.
هذا الهجوم، الذي تم على أراضٍ عربية، وفي عاصمة دولة عربية كانت تدّعي دور الوسيط وتحمل راية الدعم للإعلام الفلسطيني، يكشف بوضوح أن العدو الصهيوني لم يعد يفرّق بين دم على أرض يحتلها ودم على أرض مطبعة معه، وأن كل ما يريده هو إخضاع المنطقة بالكامل لإرادته دون أدنى اعتبار لسيادة دولها أو كرامة شعوبها.
هذا الفعل الإجرامي لن يزيد المنطقة إلا اشتعالاً؛ لأنه يثبت للمقاومة وللشعوب العربية أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وأن كل محاولات التهدئة والمفاوضات كانت مجرد تضييع وقت ليعيد العدو ترتيب أوراقه ويجهز ضرباته الأكثر عنفاً.
وفي خضم هذا التصعيد، يبرز سؤال مؤلم عن دور الأنظمة العربية، وتحديداً سياسة قطر الضبابية التي تترنح بين خطاب داعم للمقاومة في الإعلام، وبين استمرار العلاقات المتينة مع الغرب الذي يزود العدو الصهيوني بأحدث الأسلحة.
إن الهجوم العدواني على وفد حماس في الدوحة نفسه هو إهانة بالغة لسيادة قطر، واستخفاف صارخ بها. ولكن رد الفعل الرسمي القطري كان أقرب إلى الصمت المشبوه؛ ما يطرح تساؤلات كبيرة عن طبيعة الدور الحقيقي الذي تلعبه الدوحة: هل هو دور الوسيط المحايد؟! أم دور الشريك الصامت في لعبة "التطبيع الكبرى"؟!
على قطر أن تفهم أن سياسة اللعب على الحبلين، التي تنتهجها هي وبعض الأنظمة العربية، لم تعد مجدية، بل تحولت إلى فخ خانق يهدد الأمن القومي العربي برمته، ويشكل طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، الذي يدفع كل يوم دماء أبنائه ثمناً لصمت العرب وتخاذلهم وتطبيعهم.
الشعب الفلسطيني يعاني تحت نير احتلال لا يرحم، ويعاني من حصار ظالم، من تهجير قسري، وتدمير منهجي للمنازل والمستشفيات والبنى التحتية، وقتل ممنهج للأحلام والطموحات، وهو يرى أن بعض الأنظمة العربية تتسابق لتطبيع العلاقات مع جلاده، وتغلق أمامه الحدود، بينما تفتحها للعدو.
لقد آن الأوان لكشف هذه الألاعيب السياسية. آن الأوان لأن تدرك هذه الأنظمة أن السلام الحقيقي لن يتحقق بمعزل عن إرادة الشعب الفلسطيني، ولن يتحقق بإنهاء المقاومة، بل بإنهاء الاحتلال، وأن كل خطوة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة للقضية وللأمة.
الهجوم على الدوحة هو جرس إنذار آخر؛ لكنه هذه المرة ليس للفلسطينيين وحدهم، بل للعرب جميعاً، للشعوب أولاً وللأنظمة ثانياً. إنه يقول بكل وضوح: لا أمان مع المحتل، لا سلام مع المغتصب، لا استقرار مع من لا يحترم الإنسان ولا القانون الدولي.
لذا على الأنظمة العربية أن تختار بين أمرين: إما أن تكون في خانة الشرف مع الشعوب وقضاياها العادلة، وإما في خانة الخزي مع المحتل وأسياده.
فالدعم الجاد لم يعد يكفي فيه خطابات إعلامية أو مساعدات إنسانية، بل يحتاج حاجة ماسة إلى مواقف عسكرية، أو على الأقل مواقف سياسية حاسمة، من قطع للعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مع العدو الصهيوني المجرم، ودعم المقاومة بالمال والرجال، والسلاح، ومحاصرة "إسرائيل" دولياً.

أترك تعليقاً

التعليقات