تحذيرات قائد الثورة
 

فهد شاكر أبو راس

فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
في خطابه المفصلي بمناسبة العيد الـ11 لثورة 21 أيلول/ سبتمبر، ركز السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله على جانب مهم، وهو التحذير من المخاطر المهددة للنسيج الاجتماعي اليمني، حيث كشف عن استراتيجيات ممنهجة تنفذها أدوات محلية وإقليمية لتمزيق الوحدة الوطنية وتفكيك الهوية اليمنية، وهي استراتيجيات لا تنفصل عن المشروع الاستعماري القديم المتجدد في المنطقة، والذي يستهدف اليمن لموقعه الاستراتيجي وإرثه الحضاري والمقاوم.
هذه المخاطر التي تواجه النسيج الاجتماعي ليست طارئة أو عفوية، بل هي جزء من حرب هجينة تشن باستخدام أدوات محلية وإقليمية تعمل على تأجيج الانقسامات المذهبية والمناطقية والقبلية، بهدف إشغال الشعب اليمني عن قضاياه المصيرية، وتحويله إلى دويلات متقاتلة يسهل التحكم فيها.
وهذه الاستراتيجية التفتيتية ليست جديدة، بل هي امتداد للمشروع الاستعماري الذي قادته القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا و»إسرائيل»، والذي يستخدم أدواته في الداخل لضمان استمرار الهيمنة على مقدرات البلاد.
فقبل ثورة أيلول، كان السفير الأمريكي في صنعاء هو صاحب القرار الأول في مختلف المجالات التعليمية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وكانت السيادة اليمنية مصادرة لصالح القوى الخارجية، مما أدى إلى إضعاف الدولة وتفكيك نسيجها الاجتماعي.
اليوم، ومع إخفاق المشروع العدواني في كسر إرادة اليمن، تعود هذه الأدوات لاستخدام الأساليب نفسها لضرب الوحدة الوطنية من الداخل، حيث يتم استغلال بعض الاختلافات لخلق أزمات مفتعلة تخدم أجندة خارجية لا تريد لليمن أن يستقر.
وفي مواجهة هذه التحديات، أكد قائد الثورة أن المواجهة يجب أن تكون شاملة وعميقة، قائمة على تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر هذه المخططات، وإحياء القيم الإسلامية الأصيلة التي تشكل حصناً منيعاً في وجه المحاولات التفتيتية.
فالثورة كانت، منذ انطلاقتها وما زالت، تحمل شعار الحرية والاستقلال، وتستند إلى انتماء الشعب اليمني للإسلام، الذي يجعل من العبودية لله وحده أساساً للتحرر من كل أشكال الاستعباد الخارجي.
كما أن تعزيز المشروع الوطني المستقل هو ركيزة أساسية في مواجهة هذه التحديات، إذ يجب أن تجمع هذه المخططات والمشاريع كل مكونات الشعب اليمني حول أهداف مشتركة، وتوحد طاقاتهم نحو البناء والتطوير، بدلاً من إهدارها في صراعات مفتعلة.
لقد أثبت الشعب اليمني، بتعدده الثقافي والمناطقي عبر مراحل التاريخ، أنه قادر على الصمود في وجه أعتى المحن عندما يتوحد حول قضاياه المصيرية. وتجلت هذه الوحدة في أبهى صورها خلال سنوات العدوان السعودي الأمريكي في معركة «النفس الطويل»، وصولاً إلى معركة «الفتح الموعود والجهاد المقدس» ضد تحالف عالمي ودولي، إذ وقف اليمنيون صفاً واحداً في مواجهة التحالفات العدوانية الشاملة، رغم محاولات تفكيكهم داخلياً.
التحديات لا تزال قائمة، والمخاطر تتصاعد مع تصاعد فشل المشروع العدواني في تحقيق أهدافه، ما يدفع أدواته إلى زيادة وتيرة الحرب الداخلية على النسيج الاجتماعي. لذلك، فإن المواجهة تتطلب أيضاً تعزيز دور الدولة ومؤسساتها في خدمة الشعب، وبناء نظام عادل يحقق العدالة الاجتماعية ويعزز الثقة بين المواطن والدولة، مما يحرم الأدوات الخارجية من أي أرضية يمكن أن تنمو فيها الانقسامات.
فكما أن الثورة استطاعت أن تحرر القرار السياسي من الهيمنة الخارجية، فإنها قادرة على حماية النسيج الاجتماعي من التفتت، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والوعي المجتمعي اللازمان.
ختاماً: يعتبر تحذير قائد الثورة يحفظه الله نداء لإعادة إحياء المسؤولية الجماعية تجاه مستقبل اليمن، إذ إن صمود اليمن بمختلف مكوناته السياسية والمذهبية أمام هذه التحديات ليس فقط مسألة بقاء لفئة سياسية أو مذهبية معينة، وإنما هو إثبات لإرادة شعب بأكمله يرفض الخنوع والتبعية، ويؤمن بمستقبل أفضل للأجيال القادمة.

أترك تعليقاً

التعليقات