مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
أعجبني تعليق في إطار التفاعل مع أحداث رفح والتعليق للمتحدثة باسم الخارجية الروسية، قالت فيه إن احتكار «الوساطة» هو ما أفضى إلى هذه التطــورات، والمقصـود احتكار الوساطة أمريكياً.
ربطاً بهذا التعليق الروسي اللاحق فإن ما سمي بـ«الوسطاء العرب» وتحديداً مصر وقطر، هم وكلاء لأمريكا في التوسط أو وسطاء تحت الاحتكار الأمريكي كقيادة.
ولهذا فموقفي الشخصي ظل يتمثل في رفض أي عرض أو صيغة اتفاق تعرضه أمريكا أو ما يعرف بالوسطاء العرب، بما فيها الصيغة أو المقترح الذي وافقت عليه الفصائل الفلسطينية بقيادة «حماس»، ولذلك كنت بين من صدمتهم هذه الموافقة.
من جانب آخر كنت أستغرب تصريحات لـ»نتنياهو» وهو يقول مثلاً: «سنجتاح رفح باتفاق أو بدونه»، خاصة وتكرار هذه التصريحات وتأكيدها لم يعد أقوى من تبرير باستمالة الأطراف الأكثر تطرفاً في حكومته أو بضغط على حماس والمقاومة. وكنت أتساءل مع ذاتي عما إذا كان نتنياهو سيجتاح رفح باتفاق أو بدونه فما جدوى مفاوضات أو اتفاق؟!
إذا كان نتنياهو سيجتاح رفح باتفاق أو بدونه فالأفضل أن يصار إلى مثل هذا القرار فلسطينياً لتعرية الإجرام ومجازر الإبادة الجماعية وتعرية أمريكا واحتكار الوساطة وللمزيد من تثوير العالم وهو في حالة ثورة، غربه قبل شرقه، ضد الحرب والمجازر والإبادة.
ولعل بين الأهم إخراس الإعلام الأمريكي تحديداً الذي ظل في حملة هادرة لتحميل «حماس» المسؤولية عن الوصول إلى هكذا اتفاق.
أعترف بأنني هكذا كنت وظللت أفكر، وذلك ما دفعني لتفكير أكثر بعد قرار الموافقة الفلسطينية.
ولذلك لو أن أحد سألني: أنت كنت ضد هذه الخطوة؟ سأجيب: نعم. وإن سألني: أنت أصبحت مع هذه الخطوة بعد صدورها؟ سأقول أيضاً: نعم.
ومع ذلك أثق أنني لم أكن طبلاً ولا مطبلاً، لا قبل ولا بعد السير في قرار وخطوة كهذه فلسطينياً، لأنه لا دافع ولا مبرر لتطبيل في سياق الواقع، ولأن النقائض والمتناقضات عالمياً تشكل أمراً واقعاً وواقعية تعامل بغير ما يلم به الفرد في حساباته وسقف وعيه.
وشخصي لم يكن مع قرار أو خطوة كهذه؛ ولكنه إذا تأكدت أن النتن ياهو سيجتاح رفح لسرت في هكذا قرار أو خطوة تكتيكياً، أو لكسب سياسي نوعي، فالأسوأ كان أن يسير نتنياهو فيما سار فيه دون خطوة كهذه، فيما أمريكا بتوابعها و»تبعانها» -وهم كثر- يرددون أسطوانة تحميل حماس المسؤولية، ويربطون ذلك بإرهاب ونازية ومعاداة السامية... إلخ.
في جانب آخر أو أخير تعلمنا من كل المحطات والتجارب العالمية أن القائد السياسي أو المسؤول السياسي المحنك والحكيم يتخذ القرارات الأهم من أرضية معلومات، ومن حسابات لا تتوفر لصحفي أو حتى مفكر، وعليّ أو يعنيني جهد واجتهاد الاستقصاء لهذه الأرضية والأبعاد والحسابات والتي على ضوئها تؤيد أو تخطئ قراراً ما.
القرار الذي سارت فيه فصائل المقاومة كان صائباً، وجاء في وقته وتوقيته -كما يقال- «ضربة معلم»، وتفكيري إن لم يكن خاطئاً فإنه كان قاصراً ولم يستوعب سرعة وديناميكية أحداث ومناورات وتكتيكات في ظل أمر واقع للهيمنة الأمريكية وربطاً للصراع والمتغيرات إقليمياً وعالمياً.
بين أهم ما يعنيني هو شراكة التفاعل مع المتلقي أو القارئ، ومن حقيقة هذه الشراكة ومصداقيتها يطوّر وينمي الوعي وكثرة التناقضات والتقاطعات في عالم في فوضى أو شبه فوضى، وقد بات «قرية واحدة»، كل ذلك لا يجعلنا نتراجع أو نُحبط أو نيأس في وعي أفضل في بلدنا وفي منطقتنا وفي معركة الحق والباطل والخير والشر.
الغرب يمارس الهيمنة على العالم لأكثر من 500 سنة، ينصر الشر وينتصر للباطل بزعامة بريطانيا أو أمريكا، وكل شعارات الزخرفة والتنميق عن ديمقراطية وحقوق إنسان وحقوق مرأة وطفل وغير ذلك هي تجسيد لجانب من الماكيافيللية التي تقول: «مارس كل الرذائل ثم احشد جيشاً وقدرات دعائية تقدمك على أنك الفضيلة».
وفعلاً فأمريكا وبريطانيا وما تسمى «إسرائيل» هم الرذيلة، ويقدمون أنفسهم على أنهم «الفضيلة»، وقد بات لديهم من القدرات والأدوات والتطورات والتقنيات ما يوجد أرضية تصديق. وتأملوا فقط في مقولة «الجيش الإسرائيلي الأعلى أخلاقياً في العالم» وأسقطوا ذلك على ما يجري في غزة.
عوداً على بدء فالقضية الفلسطينية ارتبطت بالصراعات العالمية. والغرب، وتحديداً بريطانيا ثم أمريكا، هم من جاؤوا بالاحتلال الصهيوني، وهم مع كل حروبه ومع كل إجرامه وجرائمه.
وفي ظل متغير الصراع العالمي واستعادة توازنه باتجاه عالم متعدد الأقطاب فالطبيعي والتلقائي ارتباط فلسطين (القضية والشعب) بهذا المتغير والتغيير، ولذلك فإنه حتى قرار المقاومة الفلسطينية بقبول المقترح أو الاتفاق مرتبط بهذا المتغير والتغيير.
يعنينا أن نستفيد من تجاربنا وتجارب التاريخ في التعامل مع هذا الصراع والمتغير العالمي بما يخدم أمتنا وقضايانا وأوطاننا، ومحور المقاومة يقوم بالدور الأهم في هذا السياق.
إرادة الله هي مع التغيير على مستوى العالم؛ ولكن علينا العمل بالأسباب والتعامل ربطاً بها، وهذا ما سارت فيه المقاومة الفلسطينية في قرارها، وما يختطه بنجاح متصاعد محور المقاومة.

أترك تعليقاً

التعليقات