مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
ترامب يقول إن الله اختاره أو اصطفاه ليعيد العظمة لأمريكا أو يعيد أمريكا إلى عظمتها.
نتنياهو يقول إنه أمام مهمة تاريخية روحية لإقامة "إسرائيل الكبرى"، وأنه في سبيل ذلك يحتاج للتمدد في أربع دول عربية، هي لبنان وسورية والأردن ومصر، "والبقية تأتي" كما يقال.
باختصار: أمريكا و"إسرائيل" يعيشان زهو انتصار في المنطقة كأنما تحقق، وهو لم يتحقق واقعاً.
الذي يبدو غريباً، وهو ليس بالمستغرب للمتابع الدقيق والمتعمق، أن الأنظمة العربية المتأمركة المتصهينة، ومعها آلية إعلامية ممولة بسخاء، باتت تشارك أمريكا والكيان الصهيوني نصراً قبل أن يأتي، مع معالجة هذا التموضع المخزي والمذل بشعارات وتخريجات زائفة مخادعة، وأكثر شعارات الزيف والخداع ما يُسمى "حل الدولتين"، ولكم قياس المسافة بين ما يُسمى "حل الدولتين" وما طرحه "النتن" جهاراً نهاراً عن تأسيس "إسرائيل الكبرى" بالتمدد في الدول الأربع التي ذكرناها وكدفعة أولى.
ما هو موقف مصر والأردن والحكومة اللبنانية من هذا الطرح المباشر الواضح من رئيس وزراء الكیان لحاجية وضرورة التمدد في بلدانهم في إطار تأسيس "إسرائيل الكبرى" وكدفعة أولى؟!
مصر تخلت عن "فيلادلفيا" المشمول في "اتفاق السلام" المُسمى "كامب ديفيد". والحكومة اللبنانية تحت ضغط عربي شريك مع أمريكا و"إسرائيل" تريد نزع سلاح المقاومة، وكأنّ هؤلاء شركاء فاعلون في تأسيس "إسرائيل الكبرى"، كما قال عنها "النتن". وهنا قد يفهم المعني والمتابع أن تفرح أمريكا و"إسرائيل" بمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وربطاً به "إسرائيل الكبرى"؛ ولكن غير المفهوم هو المشاركة العربية الواسعة أو غير القليلة! فهل باتت مصر والأردن ولبنان إلى جانب سورية في جاهزية وقبول استقبال "الإسرائيليين" بالورود؟!
كأنّ المشكلة لم تعد فقط تهجير الفلسطينيين إلى الجوار ویراد تهجیرهم إلى بلدان أبعد كما السودان والصومال أو ليبيا أو غيرها، فيما بلدان الجوار لفلسطين المحتلة باتت الحاجية الأهم هو التمدد والتوسع فيها لتأسيس "إسرائيل الكبرى" كدفعة أولى!
ألا يستحق مثل هذا الطرح المعلن والوقح من رئيس الحكومة "الإسرائيلية" طرد سفيري "إسرائيل" في مصر والأردن؟!
ألا يستحق مثل هذا أن تعلن الحكومة اللبنانية دعم وتسليح المقاومة بدلاً من قرار هو الاستسلام بنزاع سلاحها؟!
هل سمعتم في كل علاقات وتاريخ الدول أن يمر موقف كهذا دون أن تمارس الدول المستهدفة ما يؤكد أن لها سيادة كما تتحجج حين تسير في قرارات هي إملاءات أمريكية - "إسرائيلية"؟! وهل الحكومة اللبنانية هي التي حررت بيروت والجنوب اللبناني لتتحدث عن سيادة؟! أم أن مفهوم السيادة تغير وأصبحت مشاريع أمريكا والكيان الصهيوني اللقيط هي السيادة؟! لأنه عندما يصبح الكيان هو الثقل السائد -كما يحلمون- فمنه تأتي المشروعية وتشتق السيادة، وهذا ما بات يمارس بوضوح وبدون حياء أو حمرة خجل.
دعونا نسأل: هل من مصلحة الكيان "الإسرائيلي" أن يأتي مثل هذا الطرح في هذا التوقيت، ومن منظور مصلحة الكيان الصهيوني؟!
الإجابة المباشرة والتلقائية أن مثل هذا في طرحه وتوقيته مردوده المباشر والأبعد هو لصالح المقاومة ومحور المقاومة أكثر.
ليس نتنياهو غبياً ولا أحمقَ بالمقابل، وهو انطلق فيما طرح من حاجية شخصية حيوية بالنسبة له، ثم من رؤيته لتموضع أمريكا و"إسرائيل" في المنطقة، ومن وجهة نظره بالطبع.
عندما يطرح أنه المكلف بتنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" -كما يزعم-فهو يتصور أنه بذلك تجاوز أزماته، وكأنه بهذا الطرح بات رئيس حكومة إلى الأبد، في موازاة شعارات سورية "الأسد قائدنا إلى الأبد".
من جانب آخر فهو يدرك أن رد الفعل العربي لن يكون أكثر مما حدث حتى الآن، وبالتالي فتموضع أمريكا و"إسرائيل" لم يعد يسمح برد فعل عربي سيكون هو ذاته رد الفعل تجاه الجرائم والإبادة الجماعية في غزة. وبالتالي فهذا الطرح مضمون المكاسب لنتنياهو شخصياً، وفي المدى الآتي، فأي خسائر محتملة لا تقاس أو تقارن بمكاسب نتنياهو شخصياً.
الذي نختلف فيه مع "النتن" أن تموضع أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة ليس كما يصورونه أو يتصورونه، وصفعة واحدة من خلال تطور الأحداث والصراعات قد تقلب الوضع والتموضع، بما لم تعد أمريكا و"إسرائيل" -وليس فقط النتن- يتوقعانه.
النقطة الأخرى هي أن مكاسب المقاومة ومحور المقاومة من هذا الطرح أكثر وأكبر وأعمق من تفكير ورؤى هذا "النتن".
فهذا الطرح يؤكد حتى للشعوب المحبطة والمقموعة، وحتى المسلمة بربوبية أو ألوهية أمريكا، أنه لا مستقبل للمنطقة إلا من خلال المقاومة ومحور المقاومة. ومثل هذا حتى لو لم يحدث حالياً فهو يعتمل ويسير أكثر في تصعيد على طريقة "طوفان الأقصى".
وبالتالي فالواقع العربي بكل مأساويته أو حتى انحطاطه سينقلب على المحطة البريطانية التي سميت ثورة عربية كبرى، وعلى المحطات الأمريكية التي توالت في المنطقة وسُميت "الربيع العربي"، والذين صدقوا بانتهاء المقاومة وقرب انتهاء محور المقاومة عليهم انتظار أكثر من مفاجأة لا تحمل الطبخة الاستعمارية ولا السمات والطبخات الاستعمالية التي طورها وتفنن فيها الاحتلال الأمريكي بمشاركة الأنظمة العربية العميلة صهينة وأمركة وكلاهما واحد.
المقاومة مازالت قوة وقوية، ومحور المقاومة أقوى وأكثر قوة، وسيأتي زمن يندم فيه "النتن" طويلاً على تسرعه في مثل هذا الطرح!

أترك تعليقاً

التعليقات