النصر هو للمنطق وما تفرضه المنطقة!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
في بداية الدورة الأولى للرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" استدعى كيسنجر، الذي توفي بعد ذلك، ووجه ترامب لكيسنجر السؤال الأهم، وهو: لماذا تنطلق الصين وبسرعة الصاروخ وبالمقابل وفي كل الأوجه والمقارنات تتراجع أمريكا بوضوح؟
رد عليه كيسنجر وبوضوح المسألة بسيطة وهي أن أمريكا كل شغلها وانشغالها يتركز على منطقة "الشرق الأوسط"، فيما الآخرون يشتغلون على الإنتاج والاقتصاد والتنمية بكل جوانبها ويربطون كل ذلك بالتركيز على العلم والتقنيات والتسليح العسكري وغير ذلك.
بالمناسبة كيسنجر هو يهودي وهو مهندس السياسة الأمريكية في "الشرق الأوسط" منذ حرب 1913،  كما هو بین أشهر وزراء خارجية أمريكا.
ومع ذلك أعتقد أو أقدر أنه كان واقعياً وصادقاً في الإجابة على السؤال الترامبي، بدليل أن العالم يجمع أن مصالح المستقبل وصراعات المستقبل عالمياً ستكون في القطب الشمالي، ومع أن ما يُسمى "الشرق الأوسط" ستظل له أهمية، ولكن هذه الأهمية ستتراجع ولا تقارن بأهمية القطب الشمالي.
ولهذا لا تصدقوا ما يُطرح أمريكياً لربط حرب أوكرانيا ببايدن أو ترامب، فأمريكا هي من خططت لهذه الحرب وهي من شنها ومعها الغرب الاستعماري على روسيا ربطاً بمصالح وصراعات المستقبل في وعلى القطب الشمالي، وأمريكا خسرت هذه الحرب أو فشلت ربطاً بما يجري كمستجد.
واقعية كيسنجر في الإجابة على سؤال ترامب لا تلغي أنه منخرط، بل ومتطرف مع اللوبي الصهيوني، الذي هو المؤثر الأهم على كل السياسات والقرارات الأمريكية وعلى مستوى الدولة العميقة أو الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
فكيسنجر في إجابته على السؤال كأنما أراد أن توفق أمريكا بين الأولويات وليس ألا تهتم أو لا تكثرت بـ"الشرق الأوسط" كأولوية، وبالتالي فمشروع حرب أوكرانيا هو أمريكي، أعدت له واشنطن لسنوات، وذلك يؤكد أن الدولة العميقة كانت تعي ما طرحه كيسنجر، بل وسارت في مشروع يغير العالم أو يفرض التغيير لتجديد هيمنة القطب الواحد، والفشل في هذه الحرب هو فشل للمشروع الأمريكي مع بقاء المحاولات ومحاولة تغيير في الإدارات والأدوات.
أمريكا في ظل فشل حربها في أوكرانيا لمشروع لا تتحمل ولا تتقبل فشلاً أو انهزاماً في منطقتنا، ولذلك فإن ترامب يرهن حصوله على جائزة السلام بإنهاء الحرب في أوكرانيا فقط، وألدّ أعدائه من الديمقراطيون يتفاعلون مع إنجاحه في هذه المهمة كما هيلاري كلينتون.
ولهذا فمسألة ما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد" كمحورية لا تخضع لمناكفات وتبادل اتهامات كما في المسألة الأوكرانية، لأن "الشرق الأوسط" ليس مشروعاً أمريكياً وحسب كما الحاله الأوكرانية، بل هو قضية أمريكية وأولويته تفرض من أرضية أنها قضية أمريكية.
ولهذا فإنه بالعكس، ففشل مشروع وحرب أمريكا في أوكرانيا يجعلها تبحث عن نصر أو صورة نصر، والأرضية المهيأة تلقائياً وبالمتراكم الأمريكي هي "الشرق الأوسط الجديد".. ولهذا فإنه حين تفشل أمريكا في حرب ضد روسيا وحتى ضد الصين فإنها ستضغط على روسيا أو على الصين مثلاً لإعطائها تعويضات، وكأن هذا "الشرق الأوسط" قدره أن يصبح أرضية مداراة وتعويضات للاستعمار الغربي الإمبريالي، وما طرحه "النتن" ويصر علیه عن مشروع "إسرائيل الكبرى" هو مرتبط بكل ذلك، فـ"إسرائيل" هي من يستلم التعويضات لأمريكا ومن ذلك تأتي أو تتحقق "إسرائيل الكبرى" في تفكير أو أوهام "نتنياهو".
لم نعد في زمن ونمطية "سايكس بيكو" وباتت تلقائية أو توافق المصالح بمثابة ممارسة للمبادلات والتعويضات، ومن يريد الفهم الواقعي لما يعتمل عليه العودة إلى ما بعد غزو العراق وكيف أفضى تلقائياً بين ألدّ عدوين هما أمريكا وإيران ثم ما ارتبط بهذا التوافق التلقائي في صراعات ما بعد ذلك حتى الآن، وبالتالي فأمريكا وإيران كانتا في حاجة لتلقائية توفيق وتوافق مع استمرار العداء فالمسألة تبدو أسهل في تلقائية السير فيها مع روسيا أو الصين.
ويعنينا في هذا الاسترجاع الواقعي التسليم بأن إيران لم تتخل عن قضية فلسطين ولا عن المقاومة ومحور المقاومة، وبالمثل فروسيا أو الصين أو حتى غيرهما لن يتخلوا عن المنطقة ولن يسلموها لمشروع أمريكا أو مشروع صهيوني كما "إسرائيل الكبرى"، ودور المنطق والمنطقة سيظل وسيبقى هو اللاعب الأهم والفاعل الحاسم فوق كل سلاح وفوق الخيانات والعمالات والإعلام والعملاء في ظل القائم وفي القادم.. والزمن بيننا!!

أترك تعليقاً

التعليقات