ملحمة «لا»
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
انتابتني حماسة فارقة، منذ قرأت الإعلان الأول عنها، على حائطه بمنصة «فيسبوك». توقعت ميلاد منبر صحفي مهني مغاير، توجهاً ومضموناً وأثراً. باعث هذا التوقع هو معرفتي بوالد المولود الصحفي وجيناته، وأنه اسم على مسمى، يدك الرتابة دكاً، ويوقد الإبداع وهجا.
لم يأت الزميل الأستاذ صلاح الدكاك من خارج الصحافة، بل من رحمها. ولد صحافياً متسلحاً بالحرية ومولعاً بالحقيقة، يملك شغف المعرفة وذخيرة القيم واللغة والرؤية والعزم، فعُرف سريعاً: محققاً شقياً، رحالاً شيقاً، كاتباً رشيقاً، شاعراً أليقاً... وقبل هذا وذاك، إنساناً نبيلاً.
ظل العزيز صلاح، في بلاط الصحافة، معياراً للتمييز بين الدخيل والأصيل؛ ليس لكونه درس علوم الإعلام، بل لأنه شحذ ملكته بالدراسة العلمية الجامعية، وصقلها بالممارسة العملية الصحافية، المتحررة من الإنشائية التقليدية والرتابة الرسمية والنمطية الحكومية...
ظهر هذا جلياً أثناء عمله في صحيفتي «الجمهورية» اليومية و«الثقافية» الأسبوعية، بفضائها الرحب. بدا أنه -كقلة نادرة- يحتاج فقط إلى بيئة عمل مواتية، إدارياً ومالياً وسياسياً، لينطلق بلا قيود، ويحلق بلا حدود، في إبداع الجديد الفريد، المفيد والمؤثر في الواقع العنيد.
لهذا، لم تخب توقعاتي، وظلت أعداد صحيفة «لا» الأسبوعية متميزة، بدءا من مانشيتات غلافاتها، أثيرة وثرية رغم محدودية صفحاتها، قوية وجريئة فيما تطرق وتطرح، تتميز ببصمة مغايرة، تحريراً وتحرراً وتحرياً للحقيقة، بقوالب فنية متنوعة، لافتة للاهتمام ومثيرة للإلمام.
عندما أبلغني بعزمه الانتقال بالصحيفة إلى الإصدار اليومي، باركت همته، وأخبرته أنه يقتحم تحدياً جديداً، وأني على استعداد للمشاركة بأي عون يطلبه، فكان رده من الرقي والتقدير ما جعلني أزداد يقيناً بأن المبدع الحقيقي نبيل ومتواضع بالضرورة، بعكس الدعِّي تماماً.
يحدث أن تقرأ لكثيرين كتابات صحافية أو نصوصاً أدبية، فيتشكل لديك انطباع عنهم؛ لكنه سرعان ما ينهار حين تلتقي بهم أو تتعامل معهم. يظهر لك كم أنهم مزيفون أو مُدّعون أو متصنعون، لمعرفة أو مَلكة أو مقدرة. ليس لغرورهم فقط، بل وضحالة أخلاقهم وخوائهم!
مع الأسف، ما تزال مجتمعاتنا العربية تتيح الفرص أمام هؤلاء الأدعياء، فيتسنمون مواقع ليسوا أهلاً لها البتة. وبين هذا الغثاء تجد العزاء في كوادر مبدعة وممتلئة فكرياً وروحياً، تنحت في الصخر وتصنع نفسها ومكانتها ولا تُصنع لها... ومن هؤلاء العزيز صلاح الدكاك.
أتعمد هنا الإشارة إلى هذه السمات الشخصية في الزميل الأستاذ صلاح الدكاك، ليس لأنها فرصة أتاحتها مناسبة العشرية الأولى لصحيفة «لا»، ولا لأنه يستحق هذا حياً وفي ذروة إبداعه لا بعد رحيله كما هي عادة مجتمعنا، المبتلى بأمراض الحسد والغيرة من المبدعين.
الحقيقة، أني أتعمد إبراز ما يخفى على القارئ المتابع لمسيرة صلاح الإبداعية، صحافة وأدباً، ولمسيرة صحيفة «لا»، مِن سمات شخصية، لأنها تُعد من أسباب نجاح الصحيفة، أكان في اختيار كادرها المتميز والمبدع، أو في إدارة هذا الفريق بروح لا يعكرها تعالٍ أو تسلط وجفاء.
أمنياتي المحبة لصحيفة «لا» ولكادرها الصحفي والفني والتقني والإداري، ومدير وسكرتير تحريرها، بقيادة رئيس تحريرها الزميل الأستاذ القدير صلاح الدكاك، استمرار النجاح المهني الانيق والأليق، في إبداع الجديد الفريد الأكيد والمفيد، وتسطير المزيد من الملاحم البطولية في معركة «لا».

أترك تعليقاً

التعليقات