حرب العصر
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

بقي اليمن وحيداً يواجه أوبئة وأمراضاً عدة كانت قد انحسرت واندثرت من العالم كله، وانبعثت وعاد ازدهارها في اليمن جراء الحرب والحصار وتداعياتهما الكارثية على قطاعات الخدمات العامة، وبصورة خاصة النظافة والمياه والصرف الصحي والكهرباء والصحة. تجاوز تعداد الإصابات الملايين، والوفيات عشرات الآلاف، ولم يأبه العالم لمأساة اليمن واليمنيين، ووحده الله كان لطيفا بهم.
الآن ومنذ شهرين، يضج العالم بصراخ ونواح الفزع من شبح فيروس "كورونا" الجديد والماضي بنهم وهمة في الانتشار ليشمل دول العالم، الغنية والفقيرة، المتقدمة والمتخلفة، المصنعة والمستهلكة، الواعية والأمية... لا يميز بين أحد ولا تردعه أية احترازات أو تقنيات، متسببا في رهاب دولي شبهه البعض برهبة يوم القيامة!
لا ريب أن الفيروسات المتلاحق ظهورها وانتشارها في العالم كل 5 سنوات، مصنعة وليست طبيعية، على نحو يؤكد ازدهار أسلحة ما يسمى الحرب الجرثومية أو البيولوجية، وأنها غدت عنوان العصر، بعد انكشاف ما يسمى حروب الجيل الخامس أو "التدمير الذاتي للدول من الداخل" بجائحة الفوضى الخلاقة (الهدَّامة)!
لكن الماثل للعيان أن حرب الفيروسات بأبعادها الإنسانية والاقتصادية وتبعاتها السياسية والمجتمعية والأمنية، كارثية مدمرة، ووبالها لا يستثني مصدرها من الآثار والخسائر البشرية والاقتصادية، على نحو يجعل استخدام أسلحتها خطرا على البشرية كما هو حال الأسلحة النووية التي غدا امتلاكها للترهيب والردع أكثر منه لإمكانية الاستخدام.
لكن الأنكى أن هذه الحرب البيولوجية مازالت مستترة خفية لا يجاهر بها من يستخدمون أسلحتها وإن قادت خارطة الاستهداف إلى معرفة هويتهم وتبعا دوافعهم، وأنها لا تبتعد عن طبع الاستكبار وشره التسلط ونهم الهيمنة على العالم وشعوبه ومقدراتها، ولا أدل من اقتراب الخسائر الاقتصادية جراء انتشار فيروس كورونا من التريليون دولار خلال أشهر فقط.
في الوقت نفسه، يعكس اللجوء لهذا النوع الأقذر بين أنواع الحروب القذرة بكل حال، مؤشرات دنو انهيار قوى الاستكبار العالمي والنفوذ الدولي والهيمنة العالمية، وزوال طغيانها بزوال قوتها. فهي تنكسر عسكريا وتنفضح إعلامياً لشعوب العالم، وتهرول نحو ذرة البغي والطغيان والجنون، لينكشف سقوطها القيمي والأخلاقي والإنساني عموما.
وهذا لا يعفي الشعوب المستضعفة من بذل كل ما بوسعها لتحصين نفسها من أسلحة هذه الحرب القذرة. وذلك ليس مستحيلاً بتوافر العزم والإرادة وإدراك خطر الإبادة التي تستهدفها وتحيق بها. هناك محاولات حثيثة وتجارب عديدة في دول العالم، وبخاصة المتقدمة علمياً، لإيجاد مصل أو لقاح ناجع ضد فيروس كورونا، لا بد أن تثمر قريبا.
لا يكفي الركون إلى الدعاء فحسب، بل ينبغي لزاما السعي العلمي في ولأجل إيجاد ما يحصن هذه الشعوب من خطر الفيروسات الداهم وجوائحها الفتاكة. الآن وغدا لا بد أن تغدو حروب الفيروسات والاستعداد لها ومواجهتها ركنا أساسا في قدرات الدول الدفاعية والهجومية أيضاً، دون أن يعني هذا استهداف الرد المدنيين الأبرياء.
العصر يزداد عتمة على تطور أدوات العيش فيه وتقنيات تلبية احتياجاته. عصر بلا قيم أو أخلاق أو أعراف أو قوانين أو مواثيق. عصر يجاهر بالقوة في سعي الأقوى لفرض نفوذه وهيمنته ووصايته على الأضعف، الذي رغم كل شيء بدأ يقلب معادلة التبعية والسمع والطاعة، برفض الهيمنة والوصاية، كما في اليمن وغيره من أقطار محور مقاومة القطب العالمي الأوحد، أمريكا.
أمريكا، أثبتت سياساتها الدولية أنها رأس محور الشر والأذى والعدوان عالميا. وتؤكد تبعات شرورها وتدخلاتها وتوجهاتها أنها إلى زوال. والبداية ستكون مع انكسار أدواتها الإقليمية والقطرية، وانحسار تدخلاتها ونفوذها في دول المنطقة والعالم، بجلاء قواتها وقواعدها في هذه المنطقة، عصب العالم وخاصرته.

أترك تعليقاً

التعليقات