داركم!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يأتي أحدهم، طامعا في دارك وأرض ملحقة بها، في موقع هام، يطل على شارعين، هما الممران الوحيدان لعبور الناس والسيارات والشاحنات، إلى باقي أنحاء المدينة وتبعا الدولة، فيوقع معك عقد استئجار، ثم يتوغل حتى يغدو كمالك وأنت ضيف لديه.
يبدأ هذا الوافد، بالوقيعة بينك وبين إخوتك الوارثين معك الدار والأرض، ويحرض كل واحد منكم على الآخر، ويعرض لكل واحد منكم المال وأنه أحق بالنصيب الأكبر من قيمة الدار والأرض، ثم يقنع كل واحد منهم بأنه أحق بكل المال لوحده دون إخوته.
مع الأيام، يسمم هذا الوافد الأجواء والعلاقات، ويبدل الأخوة إلى عداوة، والمودة بينكم إلى جفاء وغلظة، ثم ينسيكم أنكم أقرباء شركاء، ويقنعكم بأنكم فرقاء غرماء، وينسف علاقات الإخاء بينكم ويبدلها بمكايدات الأعداء، ويغري كل واحد بالمال والملكية.
لا يدرك الجميع، مرامي هذا الوافد، وبدلا من وضع حد له، ومنعه من التدخل بينكم، يغدو مع الأيام سيدا للجميع، ومرجعا يراهن كل واحد على رضاه ودعمه، في حسم نزاع الملكية وصراع الثروة لصالحه وحده، ويحتكمون له بوصفه ساعياً في الصلح يغدو جميع الإخوة، بلا قرار أو إرادة أو سيادة على الدار والأرض الملحقة بها، ويستمر الوافد المستأجر، هو صاحب القرار والإرادة النافذة والسيادة الكاملة، ويبدأ بتهجير أبناء وزوجات كل أخ من الدار، واستحداث أسوار في الأرض بزعم منع الصراع.
ومع مرور السنين، يزداد شقاء مالكي الدار والأرض، وعناء أبنائهم وعائلاتهم، فلا هم انتفعوا من ملكهم ولا تحقق لهم الاستقرار، ولا عاشوا بأمان أو سلام، ولا عمروا أرضهم الملحقة بما يعود عليهم بالنفع، وعلى العكس فقدوا كل شيء، وصاروا مشردين.
في المقابل، تتنامى مكاسب الوافد المستأجر للدار، وبجانب استقراره داخل الدار، وانتفاعه منها دون حتى دفع الإيجار للمالكين بدعوى احتدام النزاع بينهم، وتسخير نصف الإيجار لتغذية هذا النزاع، ودفع الفتات لكل واحد من المالكين، صار متحكما بالحي.
عزز الوافد نفوذه في الحي والمدينة، بوضع يده على هذه الدار والأرض الملحقة بها، والهيمنة على موقعها المحوري والهام، والتحكم بحركة مرور الناس والسيارات وشاحنات البضائع والوقود والغذاء، وغدت مصالحه تنمو وأرباحه تتنامى، والمالكون أشقياء.
تلك هي ببساطة، حال اليمن، وما تواجهه اليوم من جديد، بفعل الوافد الطامع نفسه بموقعها الهام لحركة الملاحة العالمية بين ثلاث قارات رئيسة، هي الأقدم سكنا، والأكبر سكانا، والأغنى ثروات والأوسع أسواقا. بذر الوافد الشقاق بين أبنائها وغزاها واحتلها.
يحدث هذا مجددا، دون اتعاظ بأحوال مماثلة مر بها اليمن عبر تاريخه، تؤكد أن قوة اليمن وعزته ظلت في اتحاد أيدي أبنائه وكلمتهم وإرادتهم واستقلاله وسيادته، وأن ضعف اليمن وهوان اليمنيين، ظل مصدره افتراق أيديهم وإرادتهم وخضوعهم للهيمنة والاحتلال.

أترك تعليقاً

التعليقات