جِبْت نخاسة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
شاهدت صورا تدمي القلب وتندي الجبين لمشاهد بقينا نشاهدها طوال 30 عاما في نشرات الأخبار وعلى صفحات الصحف والمجلات الدولية، لإخوتنا في الصومال، وباتت اليوم تتكرر معنا نحن اليمنيين، ومن دون أن يرف لمن يدّعون أنهم يمنيون و»حكام شرعيون» جفن من وجل أو حتى خجل!
المشاهد المروعة كانت ليمنيين ويمنيات.. كهول وشباب، أطفال ونساء، هربوا من جحيم التدمير الممنهج لبُنى دولتهم وكيانها، والتمزيق المتعمد لنسيج مجتمعهم ووحدته، والنهب المنظم لثروات وطنهم ومقدراته، والإذلال الوقح لليمنيين، وركبوا البحر، يقصدون سلام الله في أرض الله الواسعة.
خمسون يمنيا ويمنية، باعوا ما تبقى من مقتنياتهم وأثاث منازلهم ودفعوها لمهربي البشر عبر البحار ثمن «رحلة خلاص» راموه في مغادرة جنوب الوطن الذي يوصف كذبا «محررا» فيما هو محتل باحتلال أشر متعدد الجنسيات والولاءات ولعاب الأجندات والأطماع العلنية، يلفظ أصحاب الأرض!
كان الليل يلف بستره هؤلاء اليمنيين، وكانت ألسنتهم تلهج بآمال الخلاص من هوان الرصاص تسأل الله القبول لصيامهم أول أيام رمضان دون سحور، وتسهيل النزول بالبر الجيبوتي، حين هبت رياح عاتية قلبت قاربهم قبل الوصول، فكانوا «كالمستجير من الرمضاء بالنار»، والهارب من أرض وحلة إلى يم بلا قرار!
وقعت المأساة حسب المنظمة الدولية للهجرة فجر الثلاثاء، أول أيام رمضان. وصادف مرور دورية تابعة لخفر السواحل الجيبوتي، فطلبت التعزيزات بزوارق إنقاذ وبذلت جهدها واستطاعت «إنقاذ 12 يمنية في منتصف ومقتبل العمر بينهن حامل وطفلة في السابعة»، وانتشال جثث 34 غريقا يمنيا.
صمد اليمنيون طويلا في لظى جحيم حرب تحالف العدوان على اليمن، وظلوا ينزحون داخل اليمن قسرا من قراهم ومدنهم تحت نيران المدافع وصواريخ طيران التحالف. جابهوا بأنفة تلازمهم ويلات النزوح للمجهول والتشرد في الفيافي والسهول، لكنه مرار الذل والهوان وربقة العوز والحرمان وقنوط العجز!
ومنذ الثلاثاء وحتى اليوم، لم تكلف «حكومة هادي» نفسها مجرد الالتفات للكارثة. لم تبد أدنى اهتمام ولم تكترث لحال الناجيات اليمنيات من الغرق أو لجثامين الغرقى المنتشلة من البحر، ولم تبد حتى أسفا ولو زائفا، أو تنح ربع عويلها المنافق على ضحايا حريق مركز للمهاجرين الأفارقة في صنعاء!
الحال توجع القلب كمدا، وتفئي الروح كبدا. منافقون تصدروا ادعاء تمثيل شعبي وحكم بلدي، وهم لشعبي ألد أعداء، ولبلدي سماسرة بيع وشراء، في سوق عاهر للنخاسة، يطفح بالدياثة ويعج بالدناءة، ويرفل في دنس العمالة ويغرق في رجس الخيانة. الصمت جريمة والهروب جناية، تجلب العار والشنار والمهانة.

أترك تعليقاً

التعليقات