إقرار نادر
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لا تعدم بين فيض تخييل هرطقي، بروز غيض تحليل واقعي، للأحداث ومسارها الفعلي. من ذلك -مثلا لا حصرا- تحليل سياسي كتبه دبلوماسي أمريكي، سبق أن عمل نائبا ثم قائما بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن، في مرحلة حرجة جدا لكل من إمبراطورية أمريكا واليمن.
هذا الدبلوماسي الأمريكي، ذو الأصل العربي، هو نبيل الخوري، صار اليوم من كبار دبلوماسيي الخارجية الأمريكية ومستشاريها، وكتب تحليلا نشره «المركز العربي واشنطن دي سي»، الخميس (6 نوفمبر 2025م)، تحت عنوان «اليمن بين الانقسام الداخلي والتوترات الإقليمية».
يُقر خوري: بأن «الصراع في اليمن لا يمكن فصله عن التنافس الحاد بين السعودية والإمارات، إذ يدعم كل طرف منهما فصائل مختلفة، مما يقوّض أي إمكانية لتوحيد الجبهة المناهضة للحوثيين». يقصد «أنصار الله»، التي يصر على أنها مدعومة من جمهورية إيران الإسلامية...
ويؤكد في حديثه عن تحالف العدوان على اليمن ومجلس قيادة الفصائل الموالية له وحكومته الفندقية؛ إنه مرتهن سياسيا وفاشل إداريا وعسكريا، ويقول: «لم يتمكّن من هزيمة التمرّد الحوثي أو توفير الخدمات الأساسية، ناهيك عن تقديم أي أملٍ في تسوية سلمية دائمة».
يضيف خوري: إن مجلس فصائل التحالف «متشرذم، ويستمر في أداءٍ هشٍّ ومتصدّع». ويردف: «بعد أكثر من عقدٍ على اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، لا يبدو أن نهاية هذا الصراع تلوح في الأفق، فخطوط السيطرة بين الطرفين الرئيسيين المتحاربين بالكاد تغيّرت».
ويقر بأن «ولاءات العديد من الفصائل السياسية والجماعات المسلحة تدور حول رعاةٍ إقليميين متنافسين، تتجلّى خصوماتهم في صراع النفوذ داخل هذا البلد الواقع في موقعٍ استراتيجي حساس». مؤكدا «تباين أجندات السعودية والإمارات في اليمن».
هذا الإقرار الأمريكي النادر بمحركات الحرب في اليمن ومعوقات السلام، يؤكد أن «الانحدار المأساوي لليمن نحو الفوضى والفقر والكوارث الإنسانية هو نتيجة لتورط جميع الأطراف، المحلية والإقليمية والدولية، في حربٍ مدمّرة». بينما «أوضاع الشعب اليمني مأساوية للغاية».
لكنه أيضا، يُقر في الوقت نفسه -ضمنيا- بأن اليمن الحر بقيادة «أنصار الله»، أكثر استقلالا بالقرار ومقدرة على الصمود في إدارة ما سماها «المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء»، وفي مواجهة تحالفات عسكرية إقليمية ودولية طوال 11 عاما.
يؤكد الدبلوماسي الأمريكي فشل جولات العدوان على اليمن، بدءا من «عاصفة الحزم»، فحملة «بوسيدون» الأمريكية بعهد الرئيس جو بايدن، ثم حملة «حارس الرخاء» الأمريكية البريطانية، فحملة «الراكب الخشن» الأمريكية بعهد دونالد ترامب، وصولا لجولات العدوان «الإسرائيلي».
في حديثه عن إسناد اليمن غزة ومقاومتها، وعمليات حظر ملاحة العدو «الإسرائيلي» واستهداف الكيان و»الغارات الإسرائيلية والأمريكية المتكررة»، يقول: «إن انخراط الحوثيين في الحرب الداعمة للفلسطينيين التي يصفونها بأنها (واجب أخلاقي وإنساني وديني)، يزيد تعقيد الأزمة اليمنية».
ويُقر خوري بفشل الغارات الأمريكية و»الإسرائيلية» المتكررة، في إحداث أي فرق، قائلا: «أهداف الضربات الأمريكية و»الإسرائيلية» في اليمن حتى الآن لا تبدو واضحة بما يكفي لتقييم نتائجها، وإذا كان الهدف تغيير النظام في صنعاء أو إسقاط الحوثيين، فإن التجربة أثبتت أن ذلك غير واقعي».
يضيف مع حفظ ماء الوجه: «إذا كان الهدف إضعاف الحوثيين أو تحييدهم إقليميًا، فإن الهدوء النسبي الحالي يمكن اعتباره نجاحًا جزئيًا، وإن كان مرتبطًا بوقف إطلاق النار في غزة وبقرار إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تعليق الغارات، أكثر من كونه نتيجةً لنجاح عسكري يمني».
لكن خوري يخلص للاعتراف الصريح بانعدام جدوى «المواجهة المباشرة الأمريكية -الإسرائيلية مع اليمن»، قائلا: «لا توجد حاليًا طريقة دقيقة لحساب ما إذا كانت القدرات العسكرية للحوثيين قد تدهورت بما يكفي للسماح للولايات المتحدة وإسرائيل باستنتاج أن هجماتهم كانت تستحق التكلفة».
ويجد نفسه مضطرا لتبني موقف اليمن بقيادة «أنصار الله»، فيختم تحليله بـ»إلقاء اللوم على جميع الأطراف، الأجنبية والمحلية»، ويقول: «مع كل هذه التحديات، لا يبدو أمام المجتمع الدولي خيارٌ آخر سوى مواصلة جهود الوساطة الخلّاقة في محاولةٍ لنسج خيوط تسويةٍ من بين تشابكات الأزمة اليمنية والإقليمية».
هذا هو الثابت، الذي يحاول الموالون لتحالف العدوان الإقليمي والدولي على اليمن، التعامي عنه، في إصرارهم على الارتهان لأجندات أقطاب هذا التحالف العدواني، والمكابرة والمقامرة والمتاجرة أيضا باليمن واليمنيين، طوال السنوات الماضية. لكن معطيات الواقع تؤكد أن النصر لمن كان مع استقلال اليمن وسيادته.

أترك تعليقاً

التعليقات