مأفونون!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يبرز في عالم اليوم فصيلان من البشر، هما: المأفونون، والمأفوكون. وتميز معاجم اللغة العربية بينهما؛ فالمأفون: اسم مفعول من أفَنَ (ناقص العقل، ضعيف الرَّأي لا تصدر عنه حكمةٌ ولا واقعيّةٌ ولا حزم، غبيّ)، ورجلٌ مأفون: مُصاب بنوع من التخلُّف العقليّ.
أما المأفوك فاسم مفعول للمتعدِّي، من أفَكَ (كذَب وافترى)، يَأفِك (ضعُف عقلُه وصار سفيهاً)، وتأَفَّكَ (اصطنع الكذب) فهو أفِكَ (كُلُّ أخْبارِهِ إفْكٌ) وأفَّاكٌ، والجمع أفّاكون. يلتقون مع المأفونين في طبائع المنافقين، خداعاً وتضليلاً، إرجافاً وتثبيطاً.
لا تنفك الأحداث تغذي بروز هذين الفصلين على الساحة ومنصات القول والرأي ووسائل الإعلام. لعل أجلى وأقرب مثال: العدوان «الإسرائيلي» على إيران، ورد الأخيرة بعملية «الوعد الصادق 3». كذلك كل ما يتعلق بمقاومة الكيان الصهيوني وجبهات محور المقاومة عموماً.
يقول هؤلاء، حين تعلن إيران دعمها فلسطين والمقاومة الفلسطينية وأي حركات مقاومة للكيان الصهيوني: «مزايدة واستغلال لقضية فلسطين ومتاجرة بالمواقف للمساومة السياسية وتمرير مصالح إيران»، أو «غطاء ومجرد شعارات لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة»...
وحين تدعم إيران حركات المقاومة للكيان «الاسرائيلي» الصهيوني، بالمال والإعلام والسلاح، والرجال أيضاً، وتمد طهران المقاومة بتقنيات تصنيع الأسلحة والصواريخ، يقولون: «دعم إيراني علني للإرهاب في المنطقة، ونشر مليشيات القتل والتدمير للدول العربية»!
حتى حين تعلن فصائل المقاومة الفلسطينية شكرها لإيران على دعمها بالمال والسلاح والصواريخ، يقولون: «تأكيد مخطط إيران للسيطرة على المنطقة وتفخيخ فرص السلام»! وحين تدعم أمريكا ودول أوروبا الكيان الصهيوني بالسلاح، يقولون: «يدافع عن نفسه ووجوده»!
عندما يوجه السؤال لهؤلاء: لماذا لا تدعم الحكومات العربية المقاومة للكيان الصهيوني بالمال والسلاح، لقطع الطريق على «مآرب إيران»؟! يردون بسؤال ينطوي على النفاق: «ولماذا لا تكون المواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل مباشرة إن كانا أعداء حقاً، وليسا أصدقاء فعلاً»؟!
وحين يشن الكيان الصهيوني عدواناً على إيران بغارات جوية تقصف البنية التحتية الخدمية والمباني المدنية، يتشفّون: «إيران نظام فاشل وعاجز عن التصدي للغارات الجوية»! إنما حين تعلن إيران إعادة تفعيل دفاعاتها الجوية وإسقاط طائرات للعدو، يقولون: «أكاذيب لرفع المعنويات»!
يصرون على تهوين كل وجع وألم وخسارة للعدو الصهيوني، والتشكيك في كل إنجاز عسكري ضده، وعندما تبث قوات الجيش والحرس الثوري الإيراني مشاهد فيديو لإسقاط طائرات للكيان «الإسرائيلي»؛ يقولون: «كذب، مشاهد مصطنعة، جرى إنتاجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي»!
وعندما تقصف إيران الكيان الصهيوني بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يقولون: «مسرحية، صواريخ تشبه الألعاب النارية وليست متفجرة، أسلحة إيران المدمرة مُعدة فقط لتدمير العرب لا إسرائيل»! ثم حين تدمر صواريخ ومسيّرات إيران، يقولون: مشاهد مزيفة و»فوتوشوب»!
كذلك حين تبث وسائل إعلام كيان العدو مشاهد اختراق صواريخ رد إيران على العدوان الصهيوني، لدفاعات الكيان الجوية، وتدميرها قواعده العسكرية ومقرات سلطاته؛ يقولون: «أوجعت إسرائيل إيران، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين»!
لكنهم، حين يسقط صاروخ إيراني على مستشفى مجاور لمعسكر لجيش الاحتلال، لا يتحرجون من إبداء التعاطف بدعوى «الإنسانية وقواعد الحرب»، فيقولون: جريمة حرب! بالمقابل يتحمسون لقصف طيران الكيان عمارة سكنية بإيران وقتل 52 مدنياً، بقولهم: اغتيال قادة عسكريين!
بالمثل، حين يغتال الكيان الصهيوني قيادات حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق، يقولون: «إيران تخلت عن أذرعها وباعت أدواتها لتنجو بنفسها»! لكن حين يغتال عملاء وجواسيس الكيان قيادات عسكرية وعلماء طاقة ذرية إيرانيين يقولون: «نظام هش ومستبد يسهل اختراقه»!
مع ذلك، عندما تعلن إيران ضبط عملاء وخلايا تجسس للكيان الصهيوني وشحنات ومعامل متفجرات، يقولون: «نظام قمعي إرهابي يصفي المعارضين له». وحين تعلن المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج أنها مع إيران ضد أي عدوان خارجي، يقولون: «معارضون جبناء خائنون للشعب وإيران»!
وحين تنضم أمريكا رسمياً للعدوان على إيران بقصف جوي، يقولون: «جنت على نفسها براقش، واستحقت قصفها بعدوانها وتدخلاتها بدول المنطقة». لكنهم حين ترد إيران وتقصف قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة، يصرخون: «عدوان سافر على العرب وانتهاك لسيادة دول عربية»!
أكثر من هذا، حين تلجأ أمريكا للوساطة وإيقاف الحرب، يقولون: «ما أسرع استسلام إيران، لم تصمد أكثر من 12 يوماً»! وحين يسارع الكيان الصهيوني للموافقة على إيقاف الحرب، يقولون: «استجابة منتصر حقق أهدافه»! أما حين توافق إيران، يقولون: «باعت إيران فلسطين لتنجو»!
ليس هذا فحسب، حتى حين تعلن أمريكا أنها طلبت الوساطة القطرية والتهدئة وإيقاف الحرب، وتعرض على إيران إلغاء عقوبات وإطلاق أموالها المجمدة للعودة إلى المفاوضات بشأن برنامجها النووي، يقولون: «لا غرابة، فإيران ما تزال فزاعة بيد أمريكا وأداة لتدمير الدول والشعوب العربية»!
كذلك، حين تزعم أمريكا أنها «دمرت بالكامل برنامج ومنشآت إيران النووية»، رغم كونها محمية بموجب القانون الدولي ورقابة وكالة الطاقة الذرية، يقولون: «أنقذت أمريكا العالم والمنطقة من شر مستطير». وحين تسرب المخابرات الأمريكية أن قدرات إيران النووية لم تدمر، يقولون: «مسرحية أمريكية - إيرانية»!
يبلغ النفاق مداه عندما يُقال لهم: إيران بلد إسلامي أحق بالنصرة على عدوان يهودي نصراني (صهيوني)، يقولون: «إيران أكبر عدو للإسلام، تسب الصحابة وزوجات الرسول»! ويردون على قاعدة «عدو عدوي صديقي»، بقولهم: «لهذا نؤيد إسرائيل في تدميرها ترسانة إيران النووية والصاروخية»!
وحين تعلن باكستان «السُّنّية» استعدادها لدعم إيران عسكرياً بمواجهة العدوان «الإسرائيلي»، يقولون: «مجرد مناورات سياسية». كذلك عندما تعلن تركيا «السُّنّية» أن الكيان يتربص بكل الدول الإسلامية، ويجب اتحاد المسلمين جميعاً ضد هذا العدو المشترك، يقولون: «لا عدو للإسلام إلا إيران»!
يتجاهلون إعلانات أكثر الدول تمسكاً بما يسمى «مذهب السُّنّة» كأفغانستان وغيرها، دعمها لإيران ضد العدو الصهيوني، ونداءات وفتاوى مشائخ «السُّنّة»، كمشيخة الأزهر في مصر، وجماعة «الإخوان المسلمين»، ويتشدقون بزعم «قمع النظام الإيراني أهل السُّنّة ومساجدهم في إيران»!
الحقيقة أن المتابع يلحظ أن مشكلة هؤلاء وخصومتهم ليست مع إيران، ولا مع محور المقاومة للعدو الصهيوني، بل مشكلتهم وخصومتهم مع الله سبحانه وتعالى، في رفض الامتثال لأوامره بقتال أعدائه ورسوله، وبنصرة المستضعفين في الأرض، والجهاد في سبيله؛ لكنهم يغلفون رفضهم بهذه الخصومة!

أترك تعليقاً

التعليقات