طريق طريق!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
إخماد الدخان لا يكفي لإطفاء النيران، وكذلك تداعيات الحرب والعدوان. المأساة الفاجعة والمعاناة القاسية، حلقاتها مترابطة وفك حلقة لا ينهيها، على العكس قد يفاقمها. هذا ينطبق تماما على معاناة إغلاق الطرق على خطوط تماس جبهات القتال، وفتحها.
لا يكفي أن نطلق حملة #افتحوا_الطريق. لا يجدي أن نتهم طرفا بأنه وحده مَن يغلق الطرق والمنافذ. هذا لا يخدم الغاية المنشودة مِن الجميع. لا يحفظ نبل الهدف الإنساني بل يدنسه برجس خبث السياسة وفجور الخصومة، الذي نكب البلاد وأنكد العباد!
المأساة الناجمة عن الحرب، المعاناة القائمة جراء الكرب، ليست ساحة مشرعة -ولا ينبغي أن تكون- ساحة مباراة مفتوحة لتسجيل أهداف وتدوين نقاط. فتح المنافذ والطرقات، لا يكون بظهور إعلامي في نزول ميداني وخطاب سياسي، لمجرد إدانة الخصوم!
نعم التوجس قائم وله أسبابه، والتربص ناهم وله دوافعه. لكن الترصد عادم للحل، والتخرص هادم للأمل. لا ينتظر هذا، اليمنيون، عشرات الملايين، المُنكدين بمرارة العيش والمنهكين من جهاد البقاء أحياء، ولا يحتاجون مزيدا مِن المناكفات أو مديدا من المكايدات!
لا يصح أن تخرج علينا قيادات في مأرب أو تعز، وتعلن أمام كاميرات الإعلام “مبادرتها لفتح الطريق من جهة واحدة” وتصور عمليات إزالة جرافاتها الحواجز الخرسانية والترابية التي تسد الطريق من جهتها، ثم تقول “جماعة الحوثي تحاصر اليمنيين منذ 9 سنوات”!
حصار المدن في اليمن، واقع مؤلم ومأساوي، تشارك فيه جميع أطراف الحرب. كل طرف يحاصر مناطق سيطرة الطرف الآخر. هذه حقيقة على جميع الأطراف واليمنيين الإقرار بها إذا أراد الجميع بصدق “إنهاء معاناة اليمنيين” وليس المزايدة عليها والمتاجرة بها!
المطلوب رفع المتاريس وردم الخنادق، إزالة الثكنات وإنهاء الجبهات. إخراس معابر الرصاص أوجب وأسبق من فتح معابر الباص. شرط أساس للعبور مِن أي طريق، أسفلتية كانت أو ترابية. جدران النيران أشد فتكا مِن جدران الخرسان. ومآسي هذا، أكثر مِن حصرها.
تأمين الطريق وسلامة عابر السبيل مِن الإهانة والمهانة، مِن النهب أو السلب، مِن الاعتقال أو الاغتيال، يسبق فتح الطريق والمنافذ. هذا ليس تبريرا أو تسويغا لاستمرار إغلاق هذه الطريق أو تلك. لست أؤيد إغلاق أي طريق أو منفذ. وأرجو أن تُفتح جميع الطرق فورا.
أحاول أن ألفت عناية أطراف الحرب، إلى ما يحتمه الواقع، إن كانت صادقة في رغبة “إنهاء معاناة اليمنيين”. المعاناة ستتفاقم بفتح الطرق قبل إنهاء الحرب ورفع الثكنات، وتوحيد تعرفة وإيرادات الجمارك والضرائب والنفط والغاز، وطبعات العملة وسعر الريال، وأسعار السلع.
هذه كلها مشارط حادة تقطع أبدان وقلوب اليمنيين. وليست معاناة التنقل والسفر، الوحيدة أو الأشقى. أوجه المعاناة مترابطة: انهيار قيمة العملة وفارق سعر صرف الريال، غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع، معاناة انقطاع تمويل إيرادات النفط والغاز دفع رواتب الموظفين.
جميعها مغذيات سامة لمعاناة واحدة، لا تزول إحداها إلا بزوال جميعها، بخطوات لازمة وسابقة، لفتح الطرقات وتأمينها. هذا يوجب أولا، إبرام جميع أطراف الحرب اتفاقات مسبقة، بضمانات مشهودة، على التزام متبادل بـ”إنهاء معاناة اليمنيين” بلا انتقاء، جملةً لا تجزئة.
أيضاً، يتعين أن يتصدر المطالب، إصلاح الجسور التي دكها عدوان طيران التحالف طوال سنوات الحرب. ترميم الطرقات التي تعمد التحالف طوال سنوات الحرب تدميرها. رتق أوردة الحياة التي جرى بترها، وشرايين العيش التي جرى تمزيقها، مع سبق الإصرار والترصد.
فعليا، لا أحد مستفيد من إغلاق المنافذ والطرقات. الجميع متضرر، بما فيهم مختلف أطراف الحرب. فتح الطرقات يوفر مصالح كبرى، تتجاوز مصالح الأفراد المواطنين في إتاحة حرية الحركة والتنقل والسفر ونقل السلع والبضائع، إلى إيرادات جمركية وضريبية طائلة.
معلوم أن فتح طريق “مأرب -صنعاء” مثلا، سيؤمن لسلطات مأرب عشرات المليارات من الريالات شهريا إيرادات بيع مشتقات النفط والغاز لأكثر من 20 مليون مواطن بمناطق المجلس السياسي. لكن غير المفهوم أن يستمر حرمان هؤلاء من هذه الإيرادات ودفعها رواتبهم!
نحتاج إذن إلى الصدق مع الله تعالى ومع المواطنين، فالصدق منجاة، والكذب مهلكة. الناس أضحوا في كمد، والكل أمسى في كبد، وما يجري لا يرضاه أحد. اتقوا الله يا جميع الأطراف في 30 مليون يمني، فاض بهم الصبر، وأخلصوا نوايا التفريج علَّها تكفر ذنوبكم.

أترك تعليقاً

التعليقات