كير الفوضى!
 

ابراهيم الحكيم

ابراهيم الحكيم

هل استوعبنا الدرس؟ أظن معظمنا فعل، فخلاصته باتت جلية، مؤيدة بالبراهين القاطعة، ومثبتة بالأدلة الدامغة، ومؤكدة بالأمثلة الناصعة.. ومن الحماقة أن نكابر، كما من العدامة أن نظل نقامر، فضوء الشمس لا يحجب بمنخل.
نعم.. حشود الشارع لا تكون كلها (ثورات شعبية)، وليست هي من تسقط الحكومات والأنظمة دائماً.. تقول هذا حشود سلطنة عمان في 2011، وحشود البحرين منذ 8 سنوات، وحشود الأردن المتجددة بين حين وآخر، وحشود السودان منذ شهر.
الأمثلة هنا، لا تقتصر على دول العالم النامي المسمى ثالثاً، بل تمتد أيضاً إلى دول العالم المتقدم المسمى أولاً وثانياً. كحشود (وول ستريت) في أمريكا، وحشود لندن، وحشود (السترات الصفراء) في فرنسا منذ شهرين.
كلها قالت ومازالت تقول إن عصر إسقاط الحكومات والأنظمة هذا في المجتمعات الديمقراطية الجمهورية قبل الديكتاتورية الملكية، يعتمد غالباً (الشعب) واجهة، أما فاعل الحسم والمحرك الفعلي ليس محلياً دائماً.
طواحين (عاصفة التغيير) في عقدنا هذا الخطير، ظلت رياحها غالباً اصطناعية، ومصدرها ظل واحداً: تل أبيب، ونافخات كيرها مازالت واحدة: ممالك النفط، وفي مسارات واحدة: مركزة القوة في العالم.
تأكد هذا مع حشود اليمن في 2014.. كانت مضادة لرياح حشود 2011 الاصطناعية ونافخات كيرها اللاهبة والمذيبة للدولة اليمنية: اسماً وسيادة، نظاماً ودستوراً، مؤسسات وجيشاً، نسيجاً شعبياً وإرادة.
لذلك كان طبيعياً أن تثور ثائرة نافخة روح (الفوضى الخلاقة) وخالقة (ربيع) التفكيك والتدمير والاتباع والهيمنة، وتحرك أدواتها الممولة لتدخلاتها المدمرة وفتن حروبها المهلكة، وأن تشن عدوانها المتواصل على اليمن.
مثال عملي آخر، المحاولة الجديدة لإسقاط نظام الحكم المنتخب في فنزويلا.. كان يمكن أن يصنف (انقلاباً يهدد أمن وسلامة العالم)، وأن تحشد ضده ترسانة الإيهام (الإعلام) الدولية وأغلال العقوبات السياسية والاقتصادية، وربما تحالفات عسكرية.
لكن هذا لم يحدث.. لماذا؟ ?ن الولايات المتحدة الأمريكية أيدته في مهده مثلما لقحت هي رحمه، ونفخت فيه من روحها المتسلطة المستبدة، فكان حتمياً أن يسير وراءها قطيع الأمم المنبطحة، وأن تؤيده دول العالم تباعاً.
صحيح لدى فنزويلا أزمة اقتصادية مفتعلة عمرها 5 سنوات، تلت وفاة تشافيز. لكن شعب فنزويلا الجائع والنازح بالملايين بحثاً عن حياة كريمة، لديه أيضاً كرامة، ورفض تدخل أمريكا السافر بشؤونه، وخرج ليؤيد رئيسه المنتخب ويسقط الانقلاب.
ليس سراً أن غالبية دول أمريكا اللاتينية لها مواقف مبدئية من الامبريالية إجمالاً، والهيمنة الأمريكية، ومن الكيان الصهيوني، وتواجه في مقابلها نشاطاً محموماً لإسقاط أنظمتها، وتصعيد أنظمة حاكمة تابعة وخانعة، كما حدث مؤخراً في انتخابات البرازيل الرئاسية!
خلاصة الدرس: يواجه كوكبنا حرب بسط السيادة الأنجلوصهيونية على العالم.. هذا ما تريده تل أبيب، وتسعى إليه بنهم واشنطن ولندن.. وسلاحها النفخ في كير (الفوضى الخلاقة)، وبث فيروس (التدمير الذاتي) في كل دولة ترفض الخضوع وتأبى الخنوع.

أترك تعليقاً

التعليقات