أوفـر
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا - 
تجاوزت السعودية الصعب باتخاذها قرار إنهاء الحرب. تدرك السعودية -أو هكذا يفترض أنها باتت تدرك- أن خيار إنهاء الحرب أوفر لها بكثير جدا من الاستمرار فيها، وأن الأخير صعب لها ليس منه سوى الكرب، ولن يفضي بنيل غاية الطلب أو ينتهي بالتغلب على إرادة اليمن والشعب.. ماذا تبقى إذن؟!
مسألة أن السعودية “حمامة سلام” و”طرف وسيط” لأجل هذا السلام، لا غراب احتدام وطرف مُشيط لنيران الحرب، ومُهيط لرحاها، ومُنيط لأطرافها المحلية، ومُطيط لأمد أوارها، ومحيط بعواقب مفاقمة تداعياتها، وقبل هذا وذاك، قائد لتحالف شنها وممول رئيس لوقودها. هذه المسألة قد حسمت وأقرت وعمدت انتهت هذه الفرية الواهية، ونُزعت هذه السترة البالية، وانقشع غبار هذه الترهة الفارغة، بإعلان الرياض لأول مرة عن مئات الأسرى العسكريين السعوديين لدى صنعاء، وبثها لأول مرة عبر وسائل إعلامها الرسمية، مشاهد استقبالها دفعة من أسراها العسكريين وتكريمهم أيضا، منتصف أبريل الفائت.
ماذا بقي إذن؟ سؤال يطرح نفسه بقوة، ولعله يبطح نفسه بشدة، مستنكرا هذا الشطح من جانب الموالين للسعودية وتحالف حربها الغاشمة على اليمن. أما الجواب، فأرى أن ما تبقى هو تجاوز الخيبة بتسوية تحلي مرار بلعها، وتنهي غصة الفشل في بلوغ الأهداف المنشودة للحرب وقطف ثمارها المرومة.
أرادت السعودية من وراء هذه الحرب الغاشمة، إعادة اليمن “حديقة خلفية”، وردها إلى “عصمتها” كما قال سفيرها السابق لدى الأمم المتحدة بوصفه اليمن زوجة للمملكة يحق للأخيرة أن تضربها. نعم، سعت السعودية إلى إعادة أدوات نفوذها في اليمن طوال عقود، بعدما كسرت شوكتهم وانتهت سطوتهم المدمرة.
لا بأس. هذه ليست هزيمة ولا ينبغي النظر إليها بوصفها هزيمة. بل اعتبارها بداية تعاف للمملكة من مرض الهيمنة، وتخففا من أعباء الإنفاق “المفتوح” عبر “اللجنة الخاصة باليمن” على أدوات نفوذها، المعطلة لنهضة اليمن واكتفائه بمقدراته وطاقات شعبه وثرواته، دون الحاجة لمنحة أو “مكرمة” أو مساعدة.
صحيح، أن السعودية، بشنها هذه الحرب الغاشمة على اليمن، فتحت على نفسها بابا، بل سماء من الأعباء الإضافية، وتضاعف عدد أدواتها وأتباعها من اليمنيين المجندين لخدمتها، بما لا يقاس أو يقارن بعددهم قبل بدء الحرب. لكن تلك مشكلتها وعليها أن تحلها دون السعي لتثبيت جحافل هذه الأدوات.
بقي إذن، أن تجري المملكة عملية حسابية سريعة، لجدوى إنهاء الحرب في اليمن، والتخفف من أعباء الإنفاق على تسليحها ومليشيات الفصائل الموالية لها، ومن أعباء شراء الذمم في داخل اليمن وخارجه، وشراء مواقف حكومات الدول التابعة، ومن نفقات فواتير ابتزازها بجرائم حربها الغاشمة على اليمن.
ستجد السعودية في المقابل، متطلبات لازمة واستحقاقات واجبة، لإنهاء الحرب. أولها دفع نفقات إعادة إعمار ما دمرته ربع مليون غارة جوية لأسراب طيرانها الحربي وتحالفها العسكري. ودفع نفقات تعويضات ضحايا الحرب وغاراتها الجوية، من القتلى والجرحى والمعاقين، ومن أهلكت أملاكهم وأنهت مصادر دخلهم.
النتيجة لهذه العملية الحسابية، واضحة. نفقات إنهاء الحرب ومعالجات تداعياتها، أقل بكثير جدا من نفقات الاستمرار في الحرب، ظاهرا عبر التحالف أو باطنا عبر مليشياته المحلية. العقل والمنطق والجدوى السياسية والأمنية والاقتصادية، الآنية والبعيدة، تكمن في إنهاء الحرب سريعا، وجدولة التزامات معالجة تداعياتها وآثارها كافة، والعاقبة للمتقين.

أترك تعليقاً

التعليقات