أول الردع
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / #لا_ميديا -

يصف البعض الرد الإيراني على الاغتيال الأمريكي للفريق قاسم سليماني، أنه «مسرحية بتنسيق بين طهران وواشنطن»، وهذا من حيث لا يدري ولا يريد؛ يقر بتحقق الردع وانكسار العنجهية الأمريكية باضطرارها لتنسيق «مسرحية الرد». ورغم ما ينطوي عليه مثل هذا الطرح من شطط، فالنتيجة بنهاية المطاف أن أمريكا تلقت ردا، وأن هذا الرد صدح بالتصدي لعجرفتها وبرفض الانبطاح لها، وبأنها ليست قضاء لا راد له، بل عدو معتد يستحق ردعه وقمعه وقلعه من المنطقة.
وقد يردد البعض المثل الشعبي المحلي الأثير «إذا تضاربت الرباح أوبه لجربتك». لكن الأمر مختلف في حال الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على نحو يصعب معه التزام الحياد، ليس لأن الأولى جمهورية إسلامية والأخرى رأس تحالف «انجلوصهيوني»، فلكل منهما أجندة بالطبع. لكن أجندة أمريكا استكبارية عدوانية تدميرية للمنطقة كما هو جلي للعيان، وأجندة إيران تحررية دفاعية مقاومة.
الصراع أطرافه واضحة ودوافعه لا تحتمل الجدال. هناك محور «موالاة» لحلف أمريكا ومحور «مقاومة». الأول مجرب طوال 60 عاما ويضم أنظمة عمالة وخنوع مذل للهيمنة والوصاية والاحتلال الأمريكي المباشر وغير المباشر، والثاني يضم أنظمة تنشد الكرامة وترفض المهانة والتبعية والانقياد والارتهان، وتدافع عن حق أصيل لها في الرفض وفي الحرية والسيادة والاستقلال. 
محور المقاومة أوجدته العنجهية الأمريكية والعجرفة الصهيونية ومآلات خضوع أنظمة المنطقة لهما، وما جلبه من ويلات ظاهرة للعيان وكارثية، ليس أقلها هذا الاستلاب العربي والإسلامي الماثل والمهين للحلف «الإنجلوصهيوني»، وخدمة مصالحه حداً غدت معه الأمة العربية والإسلامية الوحيدة التي تدفع لجلادها ومغتصبها، وتبات محرومة مهانة ذليلة!...
الارتهان التام من جل الأنظمة العربية في مقابل الامتهان الدائم للشعوب العربية، كان لا بد أن يولد مقاومة عربية وإسلامية سواء بوجود إيران أو بغيابها. لكنه اكتسب قوة تتنامى بتصاعد قوة المقاومة الإيرانية منذ نجاح ثورة الشعب الإيراني على نظام الشاه المرتهن لواشنطن والخانع لإملاءاتها والخادم لمصالحها على حساب مصالح شعبه وسيادة إيران واستقلالها، كما هي حال كثير من أنظمة المنطقة اليوم.
يظل الثابت أن المنطقة كما هي حال العالم أجمع بحاجة ماسة إلى توازن القوى تضمن التزام المواثيق والقوانين الدولية. تجربة سيادة القطب الواحد منذ انهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، مريرة وكارثية على المستويات كافة، حدا صار العالم محكوما بشريعة الغاب في أقبح صورها وأبشع مظاهرها وأشنع نتائجها وأفظع مآلاتها، حيث لا سيادة ولا استقلال ولا حرية ولا عدالة للأضعف، ولا شيء عدا أن يكون عبدا للأقوى ما لم فسيتم نسفه وتدمير مقدراته وتمزيق شعبه وإشعال دولته بالأزمات والاضطرابات والمواجهات وصولا لاحتلالها.
من هنا يفترض العقل الناشد للعدل التضامن والاصطفاف مع أية دولة أو نظام أو حركة كانت، تواجه العنجهية الأمريكية وتتصدى لعجرفتها وعربدتها وأجندتها الاستكبارية الاستبدادية وسعارها المتوحش والسافر. لا مبرر لمن يعارض هذا التصدي المشروع عدا الاستلاب والارتهان إما بداعي الجبن والخوف أو بداعي العمالة والارتزاق. وإلا فالحق بين والباطل أبين، ولا مساحة رمادية بينهما، وكل ما عدا ذلك من اختلافات وخلافات جزئيات، ينبغي أن تذوب في بوتقة رفض الهوان والذل والظلم.
الرد الإيراني الصاروخي على الاغتيال الأمريكي الجوي للفريق قاسم سليماني، كان حتميا، وأخذ بعد الردع لا الحرب. والأهم من نتائج القصف الإيراني وحجم الخسائر العسكرية الأمريكية المادية والبشرية، هو البعد السياسي للرد، ومفاده أن العالم ليس كرة مرهونة بقدم الأمريكي يركلها كيف شاء ومتى شاء وأين شاء، وأن على «الثور الهائج» الذي يدير أمريكا أن يكبح جماحه ويغادر بجحافله المنطقة، وهو الأهم.
والحق، أن ردع التوحش الأمريكي مصلحة عامة لدول وشعوب المنطقة والعالم. وهو خطوة على طريق قلع أدوات بطش الولايات المتحدة الأمريكية التي جرى زرعها في المنطقة وتكبيلها بها برا وبحرا وجوا، من دون وجه حق أو مبرر عدا السيطرة عليها موقعا وثروات، وإحالتها إلى مجرد خادمة خاضعة، ضعيفة خانعة، خائرة فقيرة، ترجو رضا السيد الأمريكي، وتجتهد لمد نفوذه وإنماء ثروته ومده بقوة كافية لجلدها وحلبها واستعبادها!
ذلك ما يفترض أن يتصدر الوعي والموقف بين شعوب المنطقة. دون أي تخندق ديني أو تمترس مذهبي، فالأمر يتجاوز هذا الثقب الأمريكي، إلى استعادة هذه الشعوب آدميتها وحقوقها الإنسانية في الحرية والكرامة وفي السيادة والاستقلال، وفي الريادة والكفاية، دون ابتزازها بالقوت والسلام، أو سلبها ونهبها خيراتها بالقوة العسكرية، أو تبديد مقدراتها وتدميرها بقوة الإرهاب والتفجير والتأزيم والتمزيق والحصار والعقوبات.

أترك تعليقاً

التعليقات