نُذر حرب
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تذهب المعطيات المتلاحقة والتطورات المتسارعة باتجاه حرب عدوانية واسعة على اليمن. تشي بهذا تحركات سياسية واقتصادية وعسكرية لافتة، محلياً وإقليمياً ودولياً. وتشير إلى نذر حرب وشيكة، بين اليمن والكيان الصهيوني وحلفائه، سواء صمد اتفاق غزة أم انهار.
بخلاف أجواء الاحتفاء الصاخبة بما يسميه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «إنجاز السلام» إثر تمرير خطته لإيقاف الحرب في غزة؛ يظهر أن هذا «السلام» المُعَرّض للانهيار في أي لحظة، يأخذ بُعداً تكتيكياً حتى تحقيق هدف الكيان الصهيوني تجاه فلسطين والمنطقة.
لا يخفي الكيان إصراره على «إنهاء المقاومة في غزة ونزع سلاحها والسيادة على قطاع غزة والضفة الغربية وضمهما»، بالتوازي مع تصريحات مماثلة بشأن لبنان واليمن تؤكد أن «السلام» المزعوم أمريكياً لا يشمل منطقة «الشرق الأوسط» ولا حتى غزة أيضاً.
تشي بهذا معطيات عدة وتحركات لافتة، سياسية واقتصادية وعسكرية، محلية وإقليمية ودولية، تتابع على نحو لافت، وتؤكد في مجملها أن الكيان الصهيوني رفع تصنيف اليمن من «أداة ضغط إيرانية» حسب زعمه، إلى «تهديد مستقل وخطر»، ورفع سقف مواجهته اليمن.
يظهر هذا جلياً من تصريحات رئيس حكومة الكيان ووزير حربه، الاحتفائية باغتيال رئيس أركان الجيش اليمني. تؤكد أن المواجهة مع اليمن تجاوزت هدف الردع والانتقام ورد الاعتبار وترميم صورة «إسرائيل العظمى» أو حفظ ماء الوجه، إلى هدف «إنهاء هذا الخطر» وجعله بصدارة أولويات «الأمن القومي».
يأتي في هذا السياق إقرار قوات الاحتلال الصهيوني «الفصل بين الساحات»، وإعلانها قرار «فصل التعامل مع اليمن عن مسار غزة»، وأن «الحرب ضد اليمن لم تنتهِ»، وما يعنيه من استمرار المواجهة على مستويات عدة مع جبهات محور المقاومة، وبمقدمها جبهة اليمن.
فعلياً: يحتاج هذا الكيان للمضي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، والمتعذرة من دون إنهاء إسناد اليمن لغزة ولبنان في الجولات المحتملة لاستئناف عدوانه عليهما، بعدما تجاوز تأثير عمليات إسناد اليمن قطاع غزة «التشتيت والضغط» إلى «الخطر والضرر» المباشر.
لا ينكر الكيان الصهيوني وحلفاؤه عنصر المفاجأة في تطورات مجريات الصراع ومعادلات وموازين القوى، عقب اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، وبروز اليمن طرفاً مفاجئاً عبر عمليات إسناده غزة ومقاومتها، رغم بعد المسافة وإنهاكه بالحرب (العدوان) 10 سنوات.
مع ذلك، فوجئ الكيان بإطلاق اليمن 1835 زورقاً وصاروخاً مجنحاً وباليستياً وفرط صوتي وطائرة مسيَّرة، على ملاحة الكيان وأهداف عسكرية وحيوية للكيان، واعتراض 228 سفينة تجارية مرتبطة بالكيان الصهيوني، في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر.
باتت دوائر القرار الصهيونية، واستناداً لتقديرات مراكزها البحثية، تتفق في أن «تجاهل المتغيرات في اليمن كان خطأ فادحاً يجب تدراكه»، إذ بات أبرز خبراء أمن الكيان وسياسييه يشبّهون اليمن بأنه «مارد غادر الزجاجة»، وترى أطروحاتهم أن «اليمن صار خارج السيطرة».
لا يغفل الكيان أن اليمن بقيادة «أنصار الله» استطاع الصمود أمام ما يسميه «عاصفة الحزم»، الحملات العسكرية السعودية الإماراتية، فحملة «رامي ويدسيون» الأمريكية بعهد بايدن، ثم «حارس الرخاء» الأمريكية - البريطانية، وصولاً لحملة «الراكب الخشن» الأمريكية بعهد ترامب.
هذا الصمود اليمني، واستمرار وتيرة عمليات إسناد اليمن لغزة، وتصاعد مراحلها، جعل الكيان الصهيوني يدرك أن اليمن بامتلاكه تقنيات التصنيع بات يملك مخزوناً مفتوحاً من الصواريخ والمُسيَّرات، ودفعه إلى رفع تصنيفه لخطر اليمن إلى «تهديد حقيقي» للكيان ووجوده.
استطاعت عمليات إسناد اليمن لغزة فرض حصار بحري كامل على ملاحة الكيان الصهيوني في المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وصولاً إلى التسبب في إيقاف نشاط ميناء «إيلات» (أم الرشراش)، وتبعاً «إغلاق البوابة الجنوبية» للكيان.
وعلاوة على تهديد عمليات إسناد اليمن لغزة، الملاحة الجوية للكيان الصهيوني، باستهدافها المتكرر مطاري «بن غوريون» (اللد) و»رامون»، وزعزعة أمنه ودفع مستوطنيه للملاجئ بصورة شبه يومية؛ ظل إغلاق البوابة الجنوبية للكيان «ضربة استراتيجية هي الأشد» حسب حاميم رامون.
لا ينبغي الاستهانة بهذا الإضرار اليمني، فهو ليس هيناً على الإطلاق لدى قادة الكيان الصهيوني. ويكفي لتأكيد هذا، تذكُّر أن من بين أبرز أسباب خوض الكيان الصهيوني «حرب الأيام الستة» (5-10 حزيران/ يونيو 1967)، منع مصر مرور سفنه عبر مضيق تيران إلى «إيلات».
لهذا، يظهر مؤكداً أن الكيان لن يأمن أو يهدأ له بال حتى تتحقق أمنيته في القضاء على جبهة اليمن وقيادتها ممثلة بـ»أنصار الله». ولهذا يبدو من البديهي أن يتجاوز الكيان الاعتماد على شبكات الاستخبارات الأمريكية والسعودية والإماراتية إلى بناء شبكته الخاصة في اليمن.
وسواء صمد اتفاق غزة أو انهار، لن يعدم الكيان الذريعة أو الحيلة لشن حرب شاملة على اليمن تتجاوز الغارات الجوية والضربات البحرية. فالمعطيات ترجح ألا تقتصر الجولة القادمة على الحرب الاستخباراتية وعمليات الاغتيالات والتصفيات، بل ستتجاوزها إلى حرب شاملة.
وشى بهذا مضمون تهديد وزير حرب الكيان، يسرائيل كاتس، في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، عقب قصف مطار «رامون»، حين هدد بأنه «سيتم استبدال شعار الصرخة (الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود)، برفع علم إسرائيل في عاصمة اليمن الموحد». فهو لم يكن «تهريجاً» ولا رد فعل نزقاً وغاضباً.
لم يقل وزير الحرب الصهيوني كاتس «سنرفع علماً»، بل قال «سيتم رفع»، وهذا تلميح بطرف ثالث موالٍ له وحلفائه (السعودية والإمارات)، سيتولى الكيان دعمه عسكرياً بحرياً وجوياً، لشن حرب يتطلع من خلالها إلى أن يسقط صنعاء ويحكم اليمن ويطبع مع الكيان ويفتح سفارة له في صنعاء يرتفع عليها علمه.
وفي هذا السياق، سبق أن كشفت وسائل إعلام الكيان عن إرسال وفود إلى عدن باسم «منتدى الشرق الأوسط»، ضمت خبراء عسكريين أجروا زيارات ميدانية لجبهات التماس، والتقوا بقيادات التشكيلات العسكرية الممولة من التحالف (السعودي - الإماراتي) والموالية له، ونشرت صور الزيارات واللقاءات.
يضاف إلى هذا تنظيم السعودية وبريطانيا ما سمته «المؤتمر الدولي للشراكة في دعم أمن المياه الإقليمية اليمنية»، وزيارة لجنة عسكرية أمريكية للتشكيلات العسكرية الموالية والممولة من التحالف (السعودي - الإماراتي)، وتعمد الغارات الأخيرة للكيان استهداف مرافق الأمن القومي والإعلام الحربي.
يعزز هذا، إعلان الكيان الصهيوني عن «مساعدة إماراتية للحد من هجمات الحوثيين، عبر تفعيل محطة رادارية في جزيرة زقر بالبحر الأحمر»، وانكشاف استكمال الإمارات مقاولة تشييد مطارات عسكرية في جزر ميون (بريم) وزقر وعبد الكوري وسمحة، وفي المخا وذوب باب، ومعسكر مرة في شبوة.
لن يقتصر دور هذه المنشآت على تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للكيان الصهيوني، بل قد يتخطاه إلى حل إشكالية التزود بالوقود والذخائر لطائرات الكيان وتحالف الشر العالمي. في سياق انخراط الكيان بصورة مباشرة، علنية أو مستترة ضمن «تحالف دولي» أو «تحالف إقليمي» يجري الإعداد له.
هذه المعطيات وغيرها ترجح أن الحرب (العدوان) التي يجري الإعداد لها ستتجاوز شقها الاستخباراتي، وهدف عمليات الاغتيالات والتصفيات، إلى تكثيف الحرب الأمنية وتوسيع حملات التحريض وتأجيج الفتن داخل اليمن بمختلف العناوين، بالتوازي مع المشاركة في تصعيد الحرب الاقتصادية.
وتصعيد الحرب الاقتصادية على اليمن، وفق المؤشرات المتلاحقة، سيتجاوز فرض المزيد من العقوبات على الشركات والاقتصاد اليمني، والحصار الخارجي، إلى فرض حصار داخلي أيضاً، وشت به عرقلة مسار جهود فتح الطرقات بين المحافظات بعد إعادة فتح «طريق صنعاء - الضالع - عدن».
يبقى الثابت أن هذه التحركات ليست بمنأى عن رصد قوات الجيش اليمني وأجهزته الأمنية، وينبغي ألا تغيب عن اليمنيين، ليس فقط لمعرفة ما يحاك لهم ولليمن، بل ليستعدوا لجولات الصراع القادمة مع تحالف الشر العالمي «الانجلو- صهيوني» وأدواته وأذنابه، ويتسلحوا بيقين أن الله أكبر وناصر من ينصره.

أترك تعليقاً

التعليقات