بـراءة ذمة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
قرر المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر أن يبرئ ذمته وأدلى بشهادة تعد جريئة عن خلفيات الحرب في اليمن، كاشفا بعد 6 سنوات عن مسعريها، وأن السعودية أرادتها وأصرت على تفجيرها مع سبق الإصرار والترصد، بدعم أمريكي ـ بريطاني، ما يؤكد للمتشككين وأصحاب «من السبب؟» مخطط العدوان ومآربه.
بنعمر كتب مقالا بعنوان «عودة الدبلوماسية إلى اليمن.. ماذا بعد؟»، نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية بنسختها الإنجليزية، وحجبته وحذفته النسخة العربية للمجلة لكون تعريبها ممولاً من شركة سعودية مقرها الكويت، ما يكسب الشهادة (المقالة) أهمية مضاعفة على أهميتها.
جاء مقال جمال بنعمر، تعليقا على توجه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن وإعلانه عن الدفع بجهود دبلوماسية أمريكية لوقف الحرب في اليمن ودعم انخراط أطراف الحرب في مفاوضات، والاتفاق على تسوية سياسية لإحلال السلام، بالتزامن مع إعلانه وقف دعم تحالف الحرب السعودي.
علق بنعمر على هذا الإعلان بقوله: «بعد مقتل نحو ربع مليون يمني، وتهجير أكثر من 3 ملايين آخرين أو اضطرارهم للنزوح وبعدما تفشت جرائم الحرب على نطاق واسع، وضاع أكثر من نصف عقد في صراع بدون طائل، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عودة الدبلوماسية إلى اليمن».
وتابع: «من البديهي أن يكون هذا الإعلان موضع ترحيب، إلا أن وقعه في صنعاء وعدن سيكون حتما مختلفا عن صداه في واشنطن عندما نتذكر أن عددا من كبار مستشاري السياسة الخارجية للرئيس بايدن شغلوا -قبل 6 سنوات- مناصب مماثلة في إدارة الرئيس باراك أوباما، وقدموا الدعم للحرب التي تقودها السعودية».
الجيد في مقال بنعمر كشفه كواليس حرب التحالف السعودي والدور الأمريكي. في تعليقه على قرار مجلس الأمن 2216 بقوله إنه «للأسف شكل غطاء للفظاعات التي تلت بعد ذلك، قرار صاغه السعوديون، وحملته بسرعة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس يفترض أنه معني بضمان الأمن والسلم الدوليين». موضحا الانتهازية الأمريكية بقوله: «لقد كان حليفهم الخليجي في حاجة إلى ترضية بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران في غفلة منه، وبدا مقايضةً دبلوماسية عادلة لهم. غير أن الطرف الغربي في المقايضة كان يعرف كذلك أن مطالبة الحوثيين، المسيطرين على الأرض والمتقدمين ميدانيا، بالاستسلام لحكومة تعيش في منفى فندقي أنيق في الرياض، لم يكن أمرا واقعيا أو مقبولا».
مع ذلك، يشهد بنعمر أن «ذلك لم يكن ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم لأنهم كانوا موقنين بأن الروس سيعرقلون القرار. لكنهم أخطأوا التقدير! موسكو التي شعرت بوجود فرصة لها كذلك للإفادة من الصفقات التجارية مع المملكة السعودية، امتنعت عن التصويت، مزيحة العقبة الوحيدة أمام تبني القرار».
وتكتسب شهادته أهمية أخرى لتضمنها تقييما لقرار مجلس الأمن الجائر 2216 المسوغ للعدوان على اليمن، بقوله: «وللسخرية، فإن هذا القرار غير العملي لايزال يشكل إلى اليوم إطارا لجميع عمليات الوساطة التي تشرف عليها الأمم المتحدة»، جازما: «وساطة فاشلة بشهادة السنوات الست من عمر هذه الحرب».
جمال بنعمر كشف في شهادته إصرار السعودية على تفجير الحرب: «بصفتي مبعوثا خاصا للأمم المتحدة إلى اليمن، كنت في ذلك الوقت في صنعاء مُكِبا على تيسير مفاوضات معقدة تهدف إلى صياغة اتفاق لتقاسم السلطة يضع حدا لاستيلاء الحوثيين على مفاصل الدولة، ويمنع نشوب حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر».
في هذا يؤكد مجددا: «وبعد 10 أسابيع عصيبة، تم التوصل إلى حل وسط يعكس توافق الأطراف على شكل السلطتين التنفيذية والتشريعية، والترتيبات الأمنية، والجدول الزمني للعملية الانتقالية. كان الاتفاق مطروحا على الطاولة، وقد أَطلعتُ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تفاصيله».
ويضيف: «بل كنت أُجري مناقشات مع كبار المسؤولين السعوديين حول المكان الذي يفترض أن يحتضن حفل التوقيع. وبعد يومين على عودتي من الرياض، وبدون سابق إنذار، بدأت الغارات الجوية. ومن نافذة الفندق حيث كان يقيم فريق الأمم المتحدة، تابعت بمرارة حجم التدمير الذي كانت تتعرض له إحدى أقدم المدن في العالم».
فعليا سبق لبنعمر الذي عمل مبعوثا أمميا إلى اليمن في أعقاب اندلاع ما تسمى «ثورة 11 فبراير 2011»، وقاد التسوية السياسية للأزمة (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومؤتمر الحوار الوطني، ثم اتفاق السلم والشراكة)؛ أن قال في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن: «لقد كان اليمنيون على وشك توقيع اتفاق أفشلته عاصفة الحزم».
لكنه عزز بيان هذا في مقالته بقوله: «لقد شددت في آخر تقرير قدمته لمجلس الأمن في أبريل 2015 على أنه يجب منح اليمنيين الفرصة لتقرير مستقبلهم بحرية ودون تدخل أو إكراه من قوى خارجية، وهذا الأمر لايزال صحيحا اليوم». منوها بالحاجة لقرار دولي بوقف حرب التحالف وترك اليمنيين يتحاورون.
وفي هذا السياق، علق على تغير الموقف الأمريكي، قائلا: «لا أحد يستطيع أن ينكر أن قرار الولايات المتحدة إنهاء دعمها العسكري للحرب التي تقودها السعودية في اليمن هو خبر جيد. ونأمل أن تحذو كل من بريطانيا وفرنسا حذوها. لكن هذا لن يوقف القتال في اليمن أو يجلب السلام لشعبه».
بنعمر هنا، وبجانب إشارته لضرورة وقف العدوان، أكد أنه: «آن الأوان للنخبة السياسية اليمنية كي تتحمل مسؤولياتها، وأن تكف عن الاعتماد على جهات خارجية فقط للومها في الأخير على كل الآفات التي حلت ببلدهم. لقد أسهمت النخب اليمنية بدرجات متفاوتة في إفشال ما كان يعتبر حتى وقت قريب تحولا سياسيا واعدا».
ونتفق معه في قوله إنه «لا يمكن للولايات المتحدة أن تتبنى مقاربة قائمة على الإملاءات. قد يكون من الطبيعة البشرية محاولة تصحيح الغلط، لكن لا ينبغي لواشنطن بأي شكل من الأشكال أن تقود العملية، بل عليها أن تلعب دور الراعي الميسر، وأن تحاول جلب جميع الأطراف إلى الطاولة».
على أن الأهم اقتراحه: «يبدو ضروريا للدبلوماسية الأمريكية اليوم أن تجعل مهمتها الأولى تغيير الإطار القائم (القرار 2216)، ويجب أن يشمل هذا الإطار الحوثيين، لأنهم مايزالون أقوياء، ورغم المليارات من مبيعات الأسلحة لدول التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أنهم مازالوا يسيطرون على نصف البلاد ويواصلون التقدم».

أترك تعليقاً

التعليقات