تبضيع الذل!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
سقطت دولة عربية أخرى في سوق النخاسة! غدت أمة لا حول لها ولا قوة، تأكل بثدييها، وتستبضع بالذل. المجد! تلك حال دول عربية تشبه حال نساء اعتدن سفور ما كان يُسمى «زواج التبضيع» وتحت راية ما بات يُعرف باسم «التطبيع» مع الكيان الصهيوني!
اتحدث عن سورية، وقبلها السودان وليبيا، وغيرها دول عربية تعرضت لهوان الاستلاب، بعد رهاب الفوضى واغتصاب العيشة الضنكى شعوبها لسنوات نجحت معها سياط الترويض في التطويع وصولاً إلى التركيع، لسادة هذا «السيرك» المفتوح في المنطقة!
الحاصل أن الإذلال الماثل، للدول العربية عموماً، وبصورة أكبر الدول المنكوبة بجائحة «الربيع الصهيوني»، شاهد ماثل لواقع الاحتلال، وهو لاحق بمراحل فقدان الاستقلال. فقد الحرية يجلب فقد الإرادة وفقد السيادة، وتبعاً الاستسلام لفجار سوق النخاسة!
صحيح أن التغيير كان مطلوباً في معظم الدول العربية، إن لم يكن جميعها؛ لكن جائحته «الربيعية» لم تكن عفوية أو ظاهرة طبيعية صحية تعبر عن إرادة شعبية ناضجة وواعية تعرف مكامن الاختلال وتسعى لإنهاء الاعتلال وفرض واقع جديد أفضل حالاً.
اعتمدت جائحة التغيير «الربيعية»، مع الأسف، نموذج التأجيج «الوبائي» للاضطراب الداخلي، والتهييج «القطيعي» للشارع المحلي، والتبهيج الوهمي بالمآل «الثوري»، والتبريج العبثي للتدمير الذاتي والتشظي، والتخريج العمدي لحال أسوأ، تمهد للقبول بالأسوأ.
تشابهت منطلقات «ثورات الربيع»، وتطابقت سيناريوهات مسار الأحداث؛ إذ تم تصميم المنحى في المرعى ذاته، وتعميم الفوضى بداعي التحرير، وتعويم العدوى بدعوى التحرر، وتهويم البشرى بدعاية التغيير، وتسويم الشعوب الأسوأ بجناية التغرير!
لاحظ الجميع كيف سارت التطورات، وانبثت المحرضات التفتيتية، وبُعثت النزعات الفئوية (الإثنية)، وفُجرت النزاعات المحلية، وأُنتجت الصدمات الإعلامية لتغذية الصدامات الاجتماعية، ونُشرت مشاهد الفظاعات لبث حالة التبلد وإثارة الأحقاد وإيقاد الفتن.
حدث هذا في معظم الدول المستهدفة بالجائحة. شاهد الجميع تحشيد الساحات بالإعلام، ونصب الاعتصامات بالخيام، وتثوير الشعوب بجرائم القنص والإعدام، وتصعيد الأقزام، وتسييد اللئام، ثم تسليم الزمام لمنعدمي الذِّمام، ولجم الشعوب بكرب الصِّدام!
جرى تهديم المبنى على رؤوس الجوعى، وتسميم المجرى بمياه أسنى، وتطعيم المسعى بنُخب فشلى، ليست الأوعى ولا الأجدى ولا الأقوى، وتقديم وتدعيم قيادات أخنى، تلتقي في ارتباطها الأوثق بمراكز القوى الإقليمية، وارتهانها المطلق لأجندات الدول الكبرى!
يبقى الثابت أن النتائج سارت وتسير بالاتجاه نفسه: سلب استقلال الدول، ونهب سيادتها وثرواتها، نسف مقدراتها وجيوشها ونسيجها الاجتماعي، فسخ القيم ومسخ المبادئ، تقبل الأسوأ بوهم النجاة، وتطبيع حياة الذل ومهانة الاستسلام للكيان الصهيوني!

أترك تعليقاً

التعليقات