أدركوه!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
نتذكر ببهجة أن آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا ومدرسينا، ظلوا يبتهجون وتنشرح صدورهم، رغم كل شيء، بحلول شهر رمضان. لم تكن الأوضاع الاقتصادية على أفضل ما يرام، لكن بهجتهم كانت تغمرنا بفرحة لا تنسى. كانت لهذه البهجة أسبابها وما تزال، لكن بواعثها تحورت ومظاهرها زاغت!!
ظل أباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، يؤكدون أنهم سعداء لأن الله بلغهم شهر رمضان «متعافيين لا فاقدين ولا غارمين». بهجتهم وهم يتبادلون التهاني ظل مردها، ما يرومون الظفر به في رمضان، من تزكية للنفس وسمو للروح وتهذيب للخُلق وتمتين لتقوى الله، وشحذ همة السعي لطاعته ونيل رحمته ورضاه.
بلوغ كل هذه المكاسب، ظل سبيله الرجوع إلى الله والتودد له سبحانه وتعالى بالإقلاع عن العادات السيئة التي تحول بين الإنسان وذكر الله في القول والفعل، وفي الشعور والنوايا، وعبادته حق العبادة، اتقاء وإجلالا، صلاة وقياما، استغفارا وتسبيحا، صدقات وإحسانا، وصلا للأرحام وتسامحا، اعتدالا وإنصافا.
صحيح كانوا يقولون لنا، أن رمضان فرصة لنشعر بجوع المساكين والفقراء، وتذكرهم بالمواساة والاحسان، قدر ما نستطيع. لكنهم في الوقت نفسه، كانوا يشددون على أن رمضان يعلمنا الصبر، ليس على العطش والجوع، بل أيضا على الامتناع عن كل أهواء وشهوات، وأفعال ونزوات، وأقوال وشبهات، تُحسب سيئات.
مرت الأيام، وأمد الله في أعمارنا، وتعاقبت أشهر رمضان علينا. بقينا على عاداتنا رغم كل أعاصير الفسخ وعواصف المسخ، للقيم والمُثل والمبادئ، عبر وسائل التأثير الفكري والتغيير السلوكي، وتطوراتها المتلاحقة، بدءا من وسائل المعرفة، ومرورا بوسائل الإعلام، المقروء والمسموع والمرئي، ووصلا لوسائل الاتصال والتواصل.
تغيرت أحوال كثيرة، وتبدلت عادات حميدة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية عموما، والمحلية خصوصا. غدا ما ألفناه ونشأنا عليه، تراثا ماضيا أكثر منه حاضرا واجبا، حتى شمل التحول مفهوم العبادة نفسها، فصارت اليوم طقوسا تؤدى، مجرد عادات مجتمعية لغايات اندماج ومجاراة اجتماعية، أكثر منها عبادات!
الحاصل اليوم يبعث على الأسى، صارت الصلاة جماعة بالمساجد، مجرد عادة، طقوسا اجتماعية أكثر منها عبادات عقائدية، منطلقها الإيمان بالله، وغايتها التذلل لله تعالى بالخشوع الصادق والخضوع الفارق والتوسل الشافق لله، في طلب الرحمة، ورجاء المغفرة، ودعاء الحاجة لرضا الله وهدايته وتوفيقه وجناته.
غاب هذا العام عن بال معظم الأنام، كل ما لشهر الصيام من طقوس استقبال وتقاليد اهتمام، فحل عليهم بغتة والكثير تفاجأ بإعلان دار الإفتاء ودوي مدافع رمضان، ثم ما أن أدركت نفوس الأنام حلول شهر الصيام، إلا ووقعت سليبة هذا الاحتدام لسباق صبغ شهر الصيام بالاستهلاك العام، والخمول وترويح الإعلام!!
تتنامى حالة الخِدر والتيه في مجتمعاتنا، وتتوالى حملات الإعلان والإعلام والدعاية والإيهام، لإعادة ترتيب الاهتمام والتحكم في أولويات الأنام. النتيجة تفويت نعمة شهر رمضان، فرصة الإفاقة من الخِدر العام، ومنحة الهداية والتقويم التام.. خسران فرصة إدراك الخير العظيم المكنون في رمضان من لدن الله تعالى.
يبقى المخيف في ما يجري، هو حال الغفلة المتصاعدة بين أوساط المجتمع المسلم عموما والعربي خصوصا واليمني أيضا. كأن شعوبنا في ملهاتها الراهنة، قد ضمنت دوام العيش وتعويض ما فاتها لاحقا. في حين أن الموت يأتي بغتة ويطوي حياة الإنسان في هذه الدنيا، بلحظة خاطفة، تنهي فرصة تعديل الأعمال.

أترك تعليقاً

التعليقات