قمقم!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتحدثون عن «قمة عربية طارئة» يعقدها كالعادة رؤساء أنظمة الدول العربية الخانعة مع كل جرعة هوان فاجعة، لتعميد ما يجري على الأمة من ضيم وتتجرعه شعوبها من ظلم. تعميد بصيغة الشجب والتنديد على قاعدة «نحن نبقبق ولا نقعقع» و«نرفض ولا نركض».
فعليا، لا تحتاج دول وشعوب المنطقة والأمة، إلى مزيد من مؤتمرات «القمة»، ومنافسات التباري بالكلمة. تحتاج فقط إلى مغادرة القمقم الى القمم. إثبات شيء من العِزَّة، وشحذ قليل من الهمة. لاتخاذ قرارات ناجعة وإجراءات حاسمة، تظهر أنها ماتزال بالفعل حرة!
مجاهرة رئيس إمبراطورية الشر؛ دونالد ترامب بشره الأطماع في ابتلاع فلسطين وغيرها من دول المنطقة...
بوصفها أرضا مباحة، لاستثمارات متاحة، يتملكها أو يؤجرها، ويُهجر سكانها أصحاب الأرض بالقوة، إلى حيث يشاء، لا يقبل المداولة ولا يحتمل المراوحة!
يظهر من ردود فعل مصر والأردن والسعودية، أنها لا ترفض تهجير الفلسطينيين قسرا من أرضهم، بقدر ما ترفض استقبالهم على أراضيها! أعلنت هذا بيانات خارجيات الدول الثلاث، وأكدته ضمنيا اقتراحات تهجيرهم إلى أي ولاية أمريكية خالية من السكان!
هذا هو واقع الحال، وما الصخب السياسي إلا ذر للرماد في العيون، وإلا فإن رد الفعل المفترض، على تصريحات ترامب ونتنياهو بشأن غزة والضفة، ليس الإدانة ولا التعبير عن الشجب والاستنكار، ولا حتى التعبير عن الرفض لها، ولا الخوض فيها أصلا!
المفترض بداهة، كان بكل بساطة أن تمهل الدول العربية والإسلامية ترامب 24 ساعة فقط لسحب تصريحاته والاعتذار عنها علنا. هذا وحده كان رد الفعل الافتراضي عربيا وإسلاميا، باعتبار فلسطين وأي قطر عربي خطا أحمر لا مداولة فيه ولا مساومة عليه ولا مفاوضة فيه!
يفترض شره الأطماع الأمريكية «الإسرائيلية» ردعا حازما وموقفا حاسما، يقطع دابر التآمر وضع حدا نهائيا لمتواليات الدوائر. موقف يؤكد أن هذه الدول العربية دول حرة بالفعل، مستقلة القرار بصدق وذات سيادة بحق. وليست أنظمة خانعة لأمريكا وخائنة!
ماذا سيحدث لو أن أنظمة الدول العربية والإسلامية فعلت هذا. لو أنها أمهلت المعتوه ترامب 24 ساعة فقط لسحب تصريحاته والاعتذار عنها علنا. لو أنها أمهلت الكيان الصهيوني 24 ساعة فقط للانسحاب من فلسطين والأراضي العربية فورا!
هذا الموقف مباح وفق الشريعة الإسلامية ومتاح وفق الشرعية الدولية، ويتطلب مجرد قرارات حاسمة وإجراءات حازمة، ومن دون خسائر جمة، أو حتى خوض حرب تحرر السيادة العربية المستلبة والحرية المختطفة والكرامة المغتصبة للشعوب العربية والإسلامية!
تملك الدول العربية والإسلامية، القوة الكافية لهذا الموقف. تستطيع التلويح فقط بتعليق العلاقات مع إمبراطورية أمريكا، سحب السفراء، وتجميد العلاقات الاقتصادية، وإيقاف التعامل بعملة الدولار الأمريكي، أو حتى إيقاف توفير الضمان لثبات سعره عالميا، بفك الارتباط بينه وبين النفط العربي.
لا صعب في مثل هذه القرارات. ليست صعبة ولا مستحيلة، وتبعاتها ليست خطرة إلى حد يبث الرعب والرهبة. على العكس هذه القرارات ستبث الرهبة في أمريكا والرعب في الكيان الصهيوني. ستجعل الشعوب العربية والإسلامية ممتنة لأنظمتها الحاكمة، ومرتبطة بها ارتباطا وثيقا.
لا تعوز المنطقة خيبة جديدة ولا تحتاج «خمة» مزيدة. شعوب دول المنطقة لا تنتظر مزيدا من الخضوع والذِلَّة، بقدر ما تنتظر الآن بداية الرجوع لأسباب العِزَّة. سئمت دول المنطقة وشعوبها، هوان التبعية والوصاية، ومهانة الهيمنة الخارجية، وكلاهما صار وقود ثورة جارفة.

أترك تعليقاً

التعليقات