احتلال مجاني!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
راكمت رياح «الحرب الباردة» وعواصف «الأيديولوجيا الوافدة»، ركام الدمار، وأكوام الغبار، على قيم وأهداف الثورة اليمنية «26 سبتمبر و14 أكتوبر»، فطُمرت على مر السنين وتعاقب الحاكمين وأجيال المحكومين، حتى دفنت وهم عنها غافلون!
اليوم تحل الذكرى الثانية والستون لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م، في ظل أوضاع تعيد مرار ما سبقها أضعافا، جراء إخضاع عدن وجنوب اليمن لهيمنة تحالف خارجي، يدير التدمير واقعا بفرية «التحرير» شعارا!!
معلوم في القانون الدولي أن الدول التي تفرض نفوذها على دول أخرى بقوات عسكرية أو سلطات موالية على الأرض، تتحمل تبعات هذا النفوذ، بوصفها المسؤولة عن إدارة الحياة وواجبات توفير مقوماتها الأساسية.
لكن غير المفهوم بالمرة، أن يحرم المواطنون في جنوب اليمن أدنى مقومات الحياة الكريمة، وألا يجنوا شيئا من هيمنة تحالف، السعودية والإمارات! لا أقصد، «مشاريع» خزانات المياه وألواح الطاقة الشمسية وطلاء المرافق!...
أتحدث عن مقومات الحياة، الخدمات الأساسية: الكهرباء، المياه، التعليم، الصحة، الطرق والنقل، الاتصالات، العمل.. إلخ. هذه القطاعات اليوم في أسوأ حالاتها، وخدماتها تكاد أن تكون منعدمة، لتعمد إبقائها متقطعة!!
ليس هذا فحسب، هناك أيضا، مسؤولية بسط الأمن وكفل الحقوق وتحقيق العدل. واقع هذه القطاعات قاتم وصادم في جنوب البلاد اليوم، رغم تعدد سلطات وقوات القوى المحلية الموالية للتحالف السعودي -الإماراتي!
مضت 11 سنة حتى اليوم على إخضاع عدن لقوات وهيمنة التحالف وسلطاته، لكنها لم «تصبح دبي» ولا حتى «الشارقة» أو «عجمان»، مثلما لم تكن «لندن الشرق الأوسط»، كما ظلت تروج حاشية الاحتلال البريطاني!
لا يعلم كثيرون من ضحايا دعاية بريطانيا وحاشيتها، أن عدن ومدن جنوب اليمن، طوال 128، بقيت مرتعا للأمية والفقر والأمراض والأوبئة، بشهادة التقارير السنوية لما تسمى «وزارة المستعمرات»، وهي منشورة ومتاحة!
حصرت بريطانيا التشييد والبناء في ما يحقق لها أهدافا عسكرية ومصالح اقتصادية وخدمية لسلطات الاحتلال وقواته وجالياته التجارية الأجنبية وحاشيته المحلية، وقيدت ما هو خدمي بأن يعود بأرباح تجارية أيضا.
ظلت البنية التحتية الخدمية، المشيدة من الاحتلال البريطاني، محدودة ومحصورة في عدن ومديريات بعينها، بينما بقي أصحاب الأرض يعيشون في أحيائهم القديمة، يزاولون الحرف التقليدية والمهن الهامشية، ويكابدون المعاناة.
مولت تبرعات تجار اليمن شمالا وغربا وشرقا وجنوبا، بناء مساجد ومدارس وأندية وعيادات، وصحف، إلخ من خدمات حُرم منها أصحاب الأرض، وبصورة أكبر غير الحاصلين على المخلقة (شهادة الميلاد البريطانية بمستعمرة عدن).
بقيت بريطانيا «تاجر شنطة»، تتعامل مع عدن موقعا استراتيجيا: عسكريا لقاعدتيها البحرية والجوية، واقتصاديا لحماية خط الملاحة الإمبراطوري (أوروبا، إفريقيا، آسيا)، ولم تشيد بنية تحتية صناعية كما فعلت مع هونج كونج.
يُضاف إلى هذين الاستغلالين، اتخاذ الاحتلال، مدينة وميناء عدن الاستراتيجي، منطقة تجارة حرة لتسويق سلع ومنتجات المصانع البريطانية، والاستثمار السياحي (الشاطئي والترفيهي) عبر الفنادق والأندية والفرق الفنية.
وهناك بالطبع، اهتبال بريطانيا للمتاح من ثروات محلية إنتاجية: الأسماك، القطن، البن، التبغ، العسل، الجلود، الزيوت، المعادن،.. إلخ، حتى روث الطيور المستوطنة للجزر اليمنية، اهتبلته بريطانيا لكونه سمادا فاخرا!
الحال نفسها تتكرر اليوم، مع فارق اهتبال ثروات إضافية، في عدن وجنوب اليمن، بجانب استغلال الموقع الاستراتيجي عسكريا واقتصاديا، لخدمة مصالح دول التحالف، مقابل إفقار وإذلال أصحاب الأرض!
لا يعني هذا أن شمال اليمن في أحسن حال، لكن السلطة فيه مركزية وثمة استقرار نسبي يغيب معه الصراع البيني، رغم الحصار والعقوبات وتبعات الصراع مع تحالف العدوان الإقليمي والدولي، وقواه المحلية.
في المقابل، وبخلاف حال مركزية السلطة في جنوب البلاد إبان الاحتلال البريطاني، هي اليوم حال هيمنة التحالف على عدن وجنوب اليمن، تتعدد السلطات والقوات وجهات الجبايات، وتغيب الخدمات الأساسية للحياة!!
يظل هذا الواقع، مؤلما ومهينا، ويدفع أي إنسان سوي، حر أبي، للتساؤل الطبيعي: ماذا يريد التحالف السعودي -الإماراتي، بالضبط؟! ولماذا تسير أوضاع عدن وجنوب اليمن نحو الانهيار لا الازدهار أو حتى الاستقرار؟! والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات