رأس براس!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
ذكرني استهداف ميناء «رأس التنورة» في المنطقة الشرقية للسعودية، باستهداف مماثل من طيران تحالف الحرب الذي تقوده السعودية والإمارات بدعم أمريكي وبريطاني و«إسرائيلي»، لميناء «رأس عيسى» في المنطقة الغربية لليمن. والحال بعيدا عن بيانات «الإدانة والتضامن» مسبقة الدفع، استهداف يقابله استهداف مماثل، وعلى قاعدة «لكل فعل رد فعل».
لا تدري لماذا تصر السعودية على اعتبار ما يمس أراضيها ومنشآتها «استهدافا واعتداء إرهابيا جبانا»، وتدعو العالم للتدخل و«حماية إمدادات البترول وأمن الطاقة العالمي»، بينما لا ترى في قصفها منشآت مدنية في اليمن جرما أو اعتداء أو إرهابا، ولا تجد أنه يستدعي الإدانة والرد بالمثل، لدرجة تباهي بكل استهداف مماثل منها، ساحته اليمن!!
يبدو هذا الانفصام في الحالة السعودية باعثا على الاستنكار في ذاته. لن يجد أي متابع محايد للأحداث، رغم ندرتهم هذه الأيام، مبررا منطقيا لكرنفال الإدانات وبيانات التضامن المنافقة، مع كل ضرر يطال السعودية، وخرس الأنظمة والهيئات والمنظمات حيال كل الأضرار والخسائر التي تكبدها السعودية لليمن، مكانا وكيانا، إنسانا وعمرانا.
إصرار السعودية على استباحة اليمن بكل ما فيه، وتدمير كل شيء عليه، حجرا وبشرا، طيرا ومدرا، مجتمعا وكيانا؛ يجعلها تعمى عن قواعد طبيعية يشترك فيها الإنسان والحيوان حيال التعرض للاعتداء، بل وأوامر إلهية تجيز رد الاعتداء بمثله. لكن الحاصل أن السعودية تُعمل المثل الشعبي الأثير: «حقهم حق وحق الناس مرق»، لا بل ماء دون نكهة!
فعليا، تبدو الحرب الظالمة والحاقدة على اليمن في فصولها الأخيرة، لا لأن ثمة «توجهات دولية، أممية وأمريكية وأوروبية لوضع نهاية للحرب»، كما نسمع منذ 6 سنوات، بل لأن ثمة توازناً في الفعل يتصاعد بين طرفي الحرب، رغم فارق الإمكانات العسكرية والإعلامية، وقبل هذا وذاك الإمكانات المالية، ومقدرة السعودية على شراء الذمم والمواقف.
يجد المتابع لتطورات مسار الحرب أنها بقدر ما استنزفت دماء اليمنيين وأرواحهم، وأنهكت السواد الأعظم منهم، حصارا وإفقارا، تجويعا وتأزيما، تنكيدا وإقلاقا؛ استنزفت دول تحالف الحرب، وفي مقدمها السعودية، رغم مكابرة الأخيرة واعتدادها المفرط بثروتها المالية، حتى وهذه الثروة تشهد استنزافا كبيرا معلنا وليس سرا، على نحو بالغ.
قطعا، لم يعد إصرار السعودية على استمرار الحرب دعما لـ»شرعية» مزعومة، ولا إنهاء لـ»انقلاب» مزعوم، ولا صونا لأمن المنطقة واستقرارها، وبالطبع ليس لأجل «سلامة اليمنيين وأمنهم وكرامتهم»، فلا شيء من ذلك حقيقي، وظل ذرائع واهية وشعارات زائفة، تكشف بطلانها سريعا، مع بروز الأهداف الخفية للحرب، وأن الإعداد لها كان مبكرا جدا وسابقا بكثير لبدئها بأعوام.
هناك أجندة أطماع لقوى دولية تشعر بأن بساط الهيمنة على المنطقة ومقدراتها وثرواتها وشعوبها يُسحب من تحتها، وتدفع بأدواتها الإقليمية ممثلة في السعودية والإمارات و»إسرائيل»، لتعزيز نفوذها وهيمنتها أكثر في المنطقة، بتجزئة متجزئ دولها أجزاء تجعلها أضعف وأكثر خنوعا وخضوعا وتبعية وارتهانا، أجزاء إثنية تعتمد الفرز العرقي والمذهبي والطائفي.
عدا ذلك، فالأمر بكل بساطة: أوقفوا العدوان على اليمن، يتوقف الرد من اليمن. ارفعوا أيديكم عن اليمن، فلا تمتد أيادي اليمنيين إليكم. كونوا جيرانا أسوياء، ولتكن العلاقات بين اليمن ودولكم علاقات طبيعية، قائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل والتعامل الندي وتبادل المصالح والمنافع. يعني رأس برأس، وليس علاقة تابع ومتبوع، كما كانت.
ذلك هو المخرج، كما كان هو المدخل إلى هذه الحرب. ومع إصرار السعودية، ومن ورائها القوى الدولية، على أن يكون اليمن تابعا لها عبر أدوات نفوذها الفاسدة والعميلة والخائنة لليمن واليمنيين على مر عقود، سيكون المخرج بكل بساطة الاقتناع بأن اليمن دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، ولا يقبل الهيمنة أو الوصاية من أحد، ولن يكون إلا حرا مستقلا، وسيدا لا مسودا من أحد.

أترك تعليقاً

التعليقات