نكبة اليمن!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يتحدث الموالون لتحالف العدوان عن «21 أيلول/ سبتمبر» بوصفها نكبة، ويستندون إلى سرد نتائج ما آل إليه حال البلاد، رغم أن مقدمات هذه النتائج كانت واقعا قبل «21 أيلول» يراد تعميمه في البلاد، وقد عمموه في جنوب اليمن، في مقابل انحساره في شماله، لولا تداعيات العدوان والحصار.
يراهنون على افتراض أن ذاكرة اليمنيين مثقوبة، تنسى وتكتفي بتلقي ما تُلقن من مغالطات. لكن ذاكرة اليمنيين ليست كذلك، ولن تنسى نكبة حكمهم للبلاد (2011-2014) وأهوالها التي حُفرت فجائعها في الصدور قبل العقول، ومازالت تعصف بمناطق نفوذ التحالف أكثر من غيرها.
أهوال السنوات الأربع لعهد التدمير الممنهج للدولة وتفكيك مؤسساتها علنا، وانهيار الاقتصاد، وإطلاق عنان الانفلات الأمني وتدمير الجيش ومقدراته، اقتحاما ونهبا لمعسكراته وتفجيرا لصواريخه وطائراته، واغتيالا لقياداته ونحرا لجنوده، حتى صار الزي العسكري بمثابة زي المحكوم بالإعدام!...
ومع ذلك يسمون «21 أيلول» انقلابا. ويتجاهلون أنهم انقلابيون بامتياز، انقلبوا على النظام والانتخابات في 2011، ثم على «المبادرة الخليجية» وآليتها 2012، ثم على الدستور في 2013، ثم اتفاق «السلم والشراكة» المبرم برعاية الأمم المتحدة وتأييد بيانين رئاسيين لمجلس الأمن الدولي الذي يعتدون به!!
يتحدثون عن «استعادة الجمهورية»، وهم أول من وأد الجمهورية بانقلابهم على نظامها الانتخابي، وجمد دستورها واستبدل بع  «المبادرة الخليجية»، وعطل وظائفها، وبدد سيادتها بالارتهان لرعاة «المبادرة» مجلس سفراء الدول العشر، وأعدمها بمناطق نفوذهم اليوم، بينما لا تزال قائمة في المناطق الحرة.
يتناسون أنهم من سجل «أول سابقة من نوعها» حسب وصف المبعوث الأممي جمال بن عمر «وطلبوا إدراج اليمن تحت الوصاية الدولية بموجب الفصل السابع»، تمهيدا للتدخل العسكري الخارجي، المُبيت والمتفق عليه مع قوى الهيمنة والوصاية الخارجية، قبل «21 أيلول»، التي تصدت لها وعدوانها.
يتجاهلون الانهيار المريع لوظائف الدولة والخدمات قبل «21 أيلول» -والمستمر بمناطق نفوذهم اليوم- وإعدامهم الغاز والمشتقات النفطية، وعجز «داخليتهم» وأجهزتها عن ضبط قاطعي الطرقات وخاطفي المواطنين ومخربي أبراج الكهرباء ومفجري أنابيب النفط والغاز، والساحات، ومقرات الجيش بل ووزارة الدفاع نفسها!!
ويتغافلون -بفهلوة من يظن نفسه ذكيا والآخرين أغبياء بلداء- عن قفز اليمن قبل «21 أيلول» 11 مرتبة ليتصدر الدول الأكثر فسادا وانعداما للشفافية عالميا، وإعلان المانحين رفضهم «تسليم أموالهم لجيوب لصوص»، وإعلان حكومتهم في البرلمان «العجز عن دفع رواتب الموظفين للأشهر القادمة»!!
يتجاهلون هذا، وأن الدَّين الخارجي تجاوز في عهدهم (6.7) مليارات دولار، والدَّين الداخلي العام للحكومة كان قد «تخطى 3 تريليونات ريال»، حسب تقرير وزارة المالية في حكومتهم حينها، رغم استمرار جميع إيرادات الدولة وتوقف الإنفاق على أي مشاريع بناء وتنمية، من أي نوع!!
كل هذا وغيره يقفزون عليه، لأنهم يختزلون الدولة في شخوصهم وأحزابهم، فإن استتبت لهم سلطاتهم أفرادا لا مؤسسات، وتأتت لهم الموارد العامة بلا محاسب؛ كانت «الدولة مستعادة»، حتى لو كانت مستلبة القرار والسيادة، والشعب يموت جوعا وخوفا ومرضا وكمدا وقنوطا، كما هو الآن في مناطق نفوذهم!!
يظل الفرق الجلي بين «11 فبراير» و»21 أيلول» أن الأولى بتمويل وتوجيه الخارج وقوى الوصاية والهيمنة ولتنفيذ أجندتها وخدمة أطماعها، ولا أدل من واقع مناطق سيطرة التحالف اليوم؛ بينما «21 أيلول» جاءت رد فعل لذلك الاستلاب والارتهان التام للخارج على حساب الامتهان العام للداخل.
لا يتطلب الأمر انحيازا، فالعبرة والمقياس في النتائج. سقطت «11 فبراير» سقوطا مريعا، لأنها زائفة وأداة «فوضى هدامة» لا خلاقة، بيد الخارج الممول والموجه. واستمرت «21 أيلول» واستعصى على هذا التحالف الدولي العسكري والاقتصادي والإعلامي كسرها، لأنها تنادي بثوابت جامعة للشعب.
ليس المهم الشخوص، ولا من أي المناطق هم، ولا على أي المذاهب هم، بل الأهم على الإطلاق إثبات الانتماء لهذا البلد والولاء له وشعبه وأمته. طلب الحق والانتصار له في مواجهة الباطل. الأهداف والمسارات، وأيما مسار غايته التحرر والكرامة والنهضة والعزة، كان الشعب في صفه ومعه مهما كانت التضحيات.
ويغدو الجدال في هذا عبثا، لأن لا غايات أسمى من: استقلال القرار الوطني، الإرادة الحرة للشعب، السيادة الوطنية الكاملة، الحرية والكرامة والأمان والعدالة، بناء القدرات والاكتفاء الذاتي... كلها ثوابت إنسانية ودينية ووطنية محضة، لا يحيد عنها إلا خائن أو عميل، وتستحق النضال والاحتمال، والموت دونها.

أترك تعليقاً

التعليقات