يكفي هواناً!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

الآن وبعد سنوات ثمان من دخول نفق الأنفاق، واستحكام هذا الاختناق، واتفاق الجميع في غاية الانعتاق من كل هذا الكرب، وويلات وتداعيات هذه الحرب... ألا ينبغي الكف عن الاستغراق في ملهاة "من كان السبب؟!"، والاستيقاظ من غيبوبة هذا الوغب، والتعامل مع معطيات الحال، والبحث عن مخرج من هذا المآل؟!
صرنا اليوم في حال تدعو للإشفاق. جميعنا يألم ويغتم. وجميعنا يأمل ويحلم بانتهاء الحرب ويشتاق لاستعادة الأمن والأمان، سبيلاً للاستقرار وبلوغ المنشود من الازدهار، على المستوى الخاص وعلى المستوى العام. لكن التمترُس وراء المواقف والأحقاد ينتصب جداراً ينبغي أن ينهار، لنرى الواقع وما ينذر به الاستمرار في الحرب.
ما يزال الاختلاف كبيراً والخلاف خطيراً، وإمكان الالتقاء على كلمة سواء بعيداً، رغم إمكانه. إنما يظل الثابت من دون أي شبه، والواضح من دون أي لبس، أن التفرق أورثنا هواناً وضعفاً، وأن التعصُّب سامنا عذاباً وكرباً، وأن دماءنا وأرواحنا أضحت في مزاد العرض والطلب، وبلغت الاستهانة بها مبلغاً خطيراً، ذروة الاسترخاص!
جميع الأطراف الإقليمية والدولية تسترخص الدم اليمني. جميعها توغل في سفك الدم اليمني وإهراقه. جميعها تتاجر في الدم اليمني وتجني أرباحاً ومكاسب. جميعها لا تأبه لأنهار الدم اليمن ولا تكترث حتى. جميعها لا تغضب للدم اليمني حقاً، وإن زعمت ذلك قولاً. جميعها لا تُفرق في الدم اليمني فعلياً، وقيمته لديها سواء!
نزيف الدم اليمني يستمر. مَنْ يقاتلون جُلهم يمنيون. ومَنْ يُقتَلون ويُجرَحون في المعارك جُلهم يمنيون. مَنْ يُقصفون في ديارهم ومدارسهم وأسواقهم ويُقتَلون ويُجرَحون يمنيون. مَنْ يحاصرون ويُجَوَعُون ويظمون يمنيون. مَنْ يمرضون بلا دواء أو علاج ويموتون يمنيون. مَنْ ينزحون من منازلهم وقراهم ويُشردُون يمنيون!
ما هذا الاسترخاص للدم اليمني؟! أي مبلغ بلغناه وأي حال وصلنا إليها؟! حال مريرة جداً ومهينة جداً، لا يجدي معها الاستنكار والشجب والإدانة، ولا يُغير فيها شيء تبادل الاتهام والإنكار والإقرار، ولا يوقفها بالطبع استمرار المكابرة وإصرار المقامرة وطلب الثأر والقصاص بمزيد من الاقتتال، فالمحصلة استمرار سفك الدماء!
كل الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأيامى واليتامى سيظلون يلعنون مَنْ أرخص اليمنيين وكرامتهم ودماءهم وأرواحهم، ومَنْ استرخصوا إهدار كرامتهم وإهراق دمائهم وإزهاق أرواحهم وتدنيس أرضهم ودمروا مقدراتهم، وسمموا علاقاتهم، وأثخنوا الطعنات في نسيجهم الوطني، ويسعون في تمزيق كيانهم وتقسيم دولتهم شذرا مذرا!
لست بوارد إدانة المسؤول عن سفك الدم اليمني وإرخاصه، فالجميع مسؤول بقدر يزيد أو يقل لدى هذا الطرف أو ذاك، وجميع الأطراف المحلية انساقت إلى خيار الحرب والاقتتال، بقصد ودون قصد، وأضحت في معمعة الاقتتال ولعلعة الاحتراب، دفاعا كان أو هجوما، لا فرق في محصلة الآثار والتبعات واستمرار نزيف الدم اليمني.
يكفي فقط أن نتفق في أن خيار الحرب كارثي ومأساوي، وأن التمسك به مهين مثلما المضي فيه مشين، وأن الارتهان للخارج سبب رئيس، والاستلاب لأجنداته فاعل أساس، في امتهان الداخل والاستهانة بالدم اليمني واسترخاص الأرواح اليمنية، ولنا في صفقات الأسلحة فقط شاهد على اتجار الأطراف الإقليمية والدولية بدماء وأرواح اليمنيين!
لذلك، مَنْ أراد أن يثبت أنه على حق ويسعى إلى الحق، ويتبنى إرادة الشعب، ويسعى لأجله وليس غيره، عليه أن يبادر إلى وقف الحرب، وإبطال ذريعة التدخل الخارجي المستثمر في الدم اليمني، وفي الأرض اليمنية، وفي الثروات اليمنية، والمستفيد من استمرار الحرب، والساعي في إذكاء وقيد الحرب، وعرقلة مساعي إحلال السلام.
لنكن جميعنا مع السلام، الذي ينشده اليمنيون ويستحقونه، لا الاستسلام الذي ينشده المستثمرون في دماء اليمنيين والمتاجرون بأرواحهم والمزايدون بمعاناتهم. السلام العادل والشامل القائم على احترام إرادة اليمنيين الحرة في اختيار حاكمهم في صناديق الاقتراع، لا عبر صناديق أموال العمالة وذخائر السلاح وسوق النخاسة!

أترك تعليقاً

التعليقات