ارتباط عضوي
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يحكى أن كهلا دخل مقهى وطلب كوب شاي بالحليب. وحين قُدم له، طلب من الجالسين معه فصل الحليب عن الشاي، ولما أكدوا استحالة هذا، قال: إذن، أروني كيف ستفصلون شمال اليمن عن جنوبه!
والحق معه، فوحدة اليمن عضوية، منذ بدء الوجود، وحدة جدود سابقة للحدود، على مر العهود. حدث أن جرى تقسيم اليمن وتقاسمه بين طامحي الرياسة، وطالبي الزعامة، لكن وحدة اليمن ظلت قائمة.
قامت على مر التاريخ المعلوم دول يمانية عدة، تجاورت زمنيا وتصارعت سياسيا، احتربت سلطات كل شطر يماني مرارا واقتتلت قواتها تكرارا، وفي كل مرة كان الانشطار مفتعلا، والخارج لاعبا فاعلا.
هذا واقع تؤكده سلسلة الوقائع. قامت في اليمن نحو مئة دولة يمنية خلال الألفي عام الأخيرة. ما كان اليمن الكبير ليستقر، وظلت نيران الحروب تستعر بأرجائه من ظفار شرقا وحتى مكة شمالا، والطائف وأبها غربا!
لم يكن هذا الصراع السياسي في اليمن نتاج نزاع محلي بالمرة، وظل يتجدد في كل مرة، بفعل تأثير دول عدة، شكلت مراكز قوة، واتخذت من اليمن ساحة تصفيات الهيمنة، على مواطن الثروة وطرق الملاحة.
الأمر نفسه حدث قسرا مع الكوريتين الشمالية والجنوبية، والألمانيتين الشرقية والغربية، وحدث مع فرنسا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وغيرها من الدول التي شطرتها قوى الاحتلال الخارجي، الامبريالية.
يريد البعض تكرار سيناريو فصم مملكة اكسوم (الحبشة) عن اليمن، بعد أن أسستها قبيلة “حبشت” اليمنية العربية القحطانية، وحكمتها لقرون عدة، سرة “النجاشي” اليمنية الحميرية، بفصم شمال اليمن عن جنوبه!
حكى هذا شاعر اليمن ومفكرها الراحل عبدالله البردوني في كتابه “الثقافة اليمنية”، وأثبته المؤرخ اليمني الراحل محمد حسين الفرح في كتابه “الجديد في تاريخ حمير وسبأ”، مستندا لوثائق أثرية (نقوش) عديدة!
وأكده مؤخرا البروفيسور الإثيوبي جلال محمد صالح في لقاءات تلفزيونية، عزز فيها ما ذهب إليه باحثون ومستشرقون من أن مستوى خط وعمارة الحبشة يدل أنهما فرع من أصل أقدم وأعظم وأحكم، هو اليمن.
لا تستطيع ثلة أن تمزق أمة. ربما أعانتها قوى الإقليم الحاسدة، وقوى العالم المارقة، في سعيها لبسط نفوذها والهيمنة، على زعزعة دولة، وإضعاف سلطة، وانهيار عملة، وإشعال فتنة؛ لكنها بالنهاية لا تستطيع أن تمكنها من فصم عرى أمة، وتمزيقها دولا عدة.
أكدت هذا مجددا مجريات الحرب الدائرة منذ تسع سنوات متتالية. تعددت السلطات والحكومات، وتنوعت القوات وتوالدت المليشيات، وتصاعدت المكايدات ومعها تعقيدات تنقل اليمنيين في أرجاء بلادهم؛ لكنها لم تستطع مسخ هوية الشعب وانتمائه اليمني.
لا تكمن مشكلة اليمن المزمنة في الوحدة، بل في ثلة فاسدة، وعصبة عميلة، ورياح عاتية، ما انفكت تهب من محيط الجوار ومحيطات البحار، وتنفث بلا هوادة، سمومها التمزيقية بألوانها المناطقية والجهوية والقبلية والمذهبية والسياسية، بغية التفتيت والتقسيم.
الثلة الفاسدة والعصبة الخائنة والرياح العاتية معروفة للجميع، وتوجهاتها واضحة للجميع، وهي تتشارك منذ عقود، مهمة إيهان اليمن شعبا ودولة، وإبقائه قيد الارتهان لقوى النفوذ الإقليمية وقوى الهيمنة الدولية، مسلوب القرار المستقل والإرادة الحرة والسيادة الوطنية.

أترك تعليقاً

التعليقات