أوهام الجيل!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تتغذى عواصف الأحداث المحلية على تأجيج عواطف فئة الأحداث العمرية، بدعايات مضللة، تراكم الأدران والأحقاد، ويتصدرها زعم أن «جنوب اليمن كان مزدهرا اقتصاديا قبل 1990»، وأن «الوحدة أفقرت الجنوب وأهله»!!
فعليا، تحفظ النظام السياسي في شمال اليمن على خيار «الوحدة الاندماجية» المطروح من النظام السياسي في جنوب اليمن. كان مرده اتساع الهوة بين النظامين سياسيا واقتصاديا، والأعباء المالية لذلك.
لهذا ظلت صنعاء تطرح خيار «الوحدة الكونفدرالية» أولا ثم «الوحدة الفيدرالية»، ليس لأن هذه الوحدة بين شعبين مختلفين، بل لإتاحة الوقت الكافي واللازم لردم هوة اختلاف النظامين الليبرالي والاشتراكي.
انعكس اختلاف النظامين الليبرالي في شمال اليمن والاشتراكي في جنوب اليمن، على الأوضاع المجتمعية لليمنيين في شمال اليمن وجنوبه. برز هذا في تباين الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي.
فرض النظام السياسي الاشتراكي في جنوب اليمن الملكية العامة، وحظر الملكية الخاصة للأفراد، في الأراضي والمنازل حتى على مستوى وسائل النقل (السيارات)، وحصر الاستيراد في مؤسسات الدولة.
ظلت أدوات الإنتاج كلها مملوكة للدولة بعد تطبيق قانون التأميم في جنوب اليمن. لم يكن النفط أو الغاز قد ظهرا وظلت موازنة الدولة تعتمد مساعدات خارجية، وظلت العملة (الدينار) مدعومة من الكويت.
على العكس تماما، كان النظام السياسي في شمال اليمن، ليبراليا، التجارة فيه حرة استيرادا وتصديرا، كذلك الملكية الخاصة متاحة للأفراد، وموارده الاقتصادية متعددة، انضم إليها النفط والغاز منذ الثمانينيات.
هذا الاختلاف السياسي والاقتصادي، كان يستدعي بالضرورة موازنة مالية ضخمة لردم الهوة السياسية والاقتصادية، وتحقيق الائتلاف الاجتماعي، اقتصاديا، كما حدث قبل إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية.
تسبب إغفال ردم هذه الهوة مسبقا، واحتدام الخلافات السياسية بتغذية خارجية بين حزبي الائتلاف الحاكم (المؤتمر الشعبي والاشتراكي اليمني) لدولة اليمن الموحد، في إحساس اليمنيين بالغبن في جنوب اليمن.
ليس صحيحا أن «الوحدة استفاد منها شمال اليمن». فالحقيقة التي يؤكدها الواقع وتثبتها الوثائق والوقائع، أن الوحدة حررت جنوب اليمن سياسيا واقتصاديا، وتكفلت بسداد ديون النظام الجنوبي (12 مليار دولار).
كذلك ما يخص الثروات، ليس صحيحا بالمرة أن «الوحدة نهبت ثروات الجنوب»، فهذه الثروات في جنوب اليمن لم تكتشف إلا عام 1993م، ولم يبدأ إنتاجها إلا بعد 1994م، وبكميات ظلت أقل من إنتاج الشمال.
يبقى الثابت أن الفساد المالي والإداري ازدهر عقب 1990م، لكنه لم يكن حكرا على الشماليين. ورغم إقصاء التيار السياسي المهزوم بحرب صيف 1994م المشؤومة. إلا أن الجنوبيين ظلوا يتصدرون مفاصل السلطة، والأولوية في إنفاق الدولة، ظلت مستنديا لتنمية المحافظات الجنوبية.

أترك تعليقاً

التعليقات