بيعة النمرود!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لخص نمرود العصر ورئيس إمبراطورية الشر العالمي، دونالد ترامب، حاجات شعوب العالم ورخاءها في»الأبراج الزجاجية» وبساتينها! لم يتحدث عن ازدهار الصناعة، ولا تحقيق اكتفائها من غذائها ودوائها وكسائها، بوصفها احتكارا أمريكيا، لكنه جعل معيار المقارنة بين الدول المتحضرة والمتخلفة، عدد وأطوال الأبراج الزجاجية وبستنة حدائقها!
بدا ترامب -كما هي عادته- أكثر رؤساء إمبراطورية أمريكا، صراحة في التعبير عن سياسات إمبراطوريته «الرأسمالية»، وجوهر عقيدتها «الليبرالية»، وتأكيد طبيعتها «الإمبريالية». تحدث عن «مصالح اقتصادية» تحكم علاقته مع العالم ودول المنطقة النفطية، استثمارات بتريليونات الدولارات لشركات أمريكية، وصفقات تشغيل مصانع السلاح الأمريكية.
اختزل ترامب أهمية دول المنطقة النفطية، في أنها أسواق استهلاكية للمنتجات الأمريكية. وحصر نهضة هذه الدول وازدهارها في «تحويلها من صحارى جرداء إلى أبراج زجاجية تحفها حدائق اصطناعية خضراء»، تحمل البصمة الأمريكية: هندسة وتخطيطا وإنشاء وبناء، وتشغيلا أيضا! فعليا جسد مبدأ إمبراطوريته «دعه يعمل دعه يمر»!
ليس هذا فحسب، بل زاد ترامب في كلمته الطويلة، يؤكد بصيغ مباشرة وغير مباشرة ارتكاز إمبراطوريته على قاعدة «الهيمنة» لا الشراكة. على «المصالح الأمريكية» لا على المنافع المتبادلة. على حق أمريكا في «استخدام القوة لصياغة السلام» الضامن لدوام هذه المصالح الأمريكية، بأقل جهد وأقل كلفة وأقل وقت، وأكثر ربحا وأكثر نفوذا وأكثر هيمنة!
كذلك فعل ترامب عند بيانه مفهوم «سلام القوة»، بتأكيده ارتكاز هيمنة ونفوذ إمبراطورية أمريكا في العالم، على فرضية «الأعداء الدائمين»، ليس كما صوره «قوى الشر» المهددة لاستقرار دول العالم. بل كما بينه في حديثه عن أن كل من يهدد مصالح أمريكا ومنابعها (شركاءها)، يعد عدوا لن تتردد أمريكا في ردعه بـ»جيشها الأقوى في العالم»!
الأكثر صراحة حد الوقاحة، حين أفصح أن «أمريكا لا تفضل أو قد تتردد في استخدام القوة العسكرية لأنها تكلف أموالا»! لكنه ألمح أنها ستفعل حين تجد من يمول النفقات المالية لحروب أمريكا العسكرية! هذا بالضبط ما حدث ويحدث منذ نشأة هذه الإمبراطورية، في جميع الحروب المباشرة وغير المباشرة التي يزدهر نفوذ أمريكا بإشعالها!
عدا هذا لم يختلف ترامب في شيء عن المداح، متخذا منهجه لدوام حظوته في الحياة باستدامة جذوة «الشرارة» التي يعتاش عليها، ووسيلته البدائية في إيقاد الشرارة، ممثلة في حجري «امدح واقدح»، وبالطبع إجادة نظم كلمات الموال، وإتقان مهارات حمل واستخدام الأدوات (الدف أو المزمار أو البوق)، وحمل الخُرج أو الكيس لملئه بالأموال!
تجلى هذا، في تعمد ترامب التعظيم من شأن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. تارة بسؤاله: «هل تنام؟ أم تظل تتقلب مثلي يمينا وشمالا في التفكير بما ينفع شعبك وازدهاره؟». وتارة بزعم الاعتماد عليه ورأيه في اتخاذ قراراته بشأن المنطقة والعالم، وأنه ممتن «لوساطته بين أمريكا وروسيا، وبين روسيا وأوكرانيا، وبين أمريكا وإيران، وأمريكا وسوريا»!
لا يعلم ترامب أنه بربطه قرار إمبراطوريته رفع سوريا من قائمة «الإرهاب» الأمريكية، وقرن اقتناعه بـ»منح سوريا فرصة جديدة»، و»رفع العقوبات عن سوريا»؛ بمشورة وطلب محمد بن سلمان، أدان الأخير بتأييده العدوان وحرب الإبادة المتواصلة على الفلسطينيين في غزة، قصفا وحصارا. إذ لم يشر عليه بإيقاف العدوان ولا بذل خاطره لديه بشأنه!
أكثر من هذا، أن ترامب في سياق حديثه العابر عن فلسطين وكلماته العامة والقصيرة والمنتقاة بعناية عن فلسطين؛ ألمح إلى أنه يتفق أو «كما يعلم محمد بن سلمان، أن الشعب الفلسطيني يستحق حياة أفضل. لكنه لن يعرف الأمان والاستقرار مع استمرار حكمه من سلطة السابع من أكتوبر المتهورة (المقاومة)» و»تحكم عناصر الإرهاب بشؤونه»!
تلك، هي الإشارة الوحيدة لفلسطين، وردت في نهاية خطاب ترامب بالرياض، تضاف إليها إشارته في بداية خطابه، إلى أنه رعى في ولايته الرئاسية الأولى معاهدة تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين والكيان «الإسرائيلي» (الاتفاق الإبراهيمي)، وسيرعى في ولايته الثانية «غدا أو بعد غد، انضمام باقي الدول للاتفاق، وفي مقدمها المملكة السعودية»!
وخلاصة جولة رئيس إمبراطورية الشر العالمي، دونالد ترامب، في المنطقة، وزيارته السعودية وقطر والإمارات، ولقاءاته وخطاباته، هي تجديد البيعة لطاغوت العصر «أمريكا» ونمرود العصر «ترامب»، وتأكيد الولاء والطاعة لهما، وتسليمهم «الجزية» لهما وهم صاغرون، مقابل حمايته لعروشهم، وتجديد اعتمادهم «أصدقاء» و»حلفاء» مخلصين لأمريكا وحلفائها (الكيان الإسرائيلي)!

أترك تعليقاً

التعليقات