كان الانتصار في السبعين يوماً هو انتصار القوات الوطنية المسلحة والشعبية في المعركة ضد  الغزاة وتقديم آلاف الضحايا، ولإزاحة الجناح اليميني المساوم عن  القيادة العسكرية وانتخاب قيادات  ثورية عسكرية من أوساط الجنود وصغار الضباط والملازمين المثقفين خريجي الكليات العسكرية المصرية واليمنية  من الذين  خاضوا معارك الدفاع عن الثورة طوال الخمس سنوات السابقة لفترة الحصار (1962م - 1967م) تقريباً ولسيطرتهم  الديمقراطية على إعجاب  المقاتلين  وثقتهم  بهم وانتخابهم إلى مواقع القيادات العسكرية الهاربة التي رفضت المقاومة دفاعاً عن  صنعاء وأرادت تسليم العاصمة والانتقال إلى تعز وجعلها عاصمة بديلة. 
كان هؤلاء الشباب الثوريون المقاتلون قد تحصلوا على تثقيف ثوري بالنظريات الثورية الجديدة من خلال انخراطهم في تنظيمات اليسار الثوري القومي الحركي آنذاك، ما أعطى للصراع هويته الواضحة وأكسب النهضة الوطنية الثورية الدفاعية الشعبية الهائلة بطابعها الاجتماعي الجذري، الكادح المحروم أكسبها وهج ثورة جديدة على طريق تطوير وتصحيح الثورة السابقة التي وقعت بأيدي النصابين والخونة والمتاجرين والدجالين وأدعياء الوطنية المعلبة الممسوخة والوهابيين المغفلين والسلفيين وألوان من أعدائها اللدودين.
حصار العاصمة صنعاء خلال الفترة نهاية نوفمبر67م إلى مطلع فبراير 68م لمدة 73 يوماً متواصلة. شنت خلالها الرجعية السعودية ومرتزقتها آلاف الهجمات المسلحة الصاروخية والمدفعية، وعشرات الآلاف من المرتزقة الذين استأجرتهم من كل مكان، أجانب ومحليين، قبائل وشيوخ، وأسالت لعاب أطماعهم بالأموال والذهب اللماع الذي  نثرته بين أيدي عملائها لإسقاط صنعاء والقضاء على حلم  الجمهورية اليمنية وثورتها التي انطلقت في 26 سبتمبر 1962م، وطوال خمس سنوات سبقت  الحصار واصلت السعودية وأسيادها الإمبرياليون الحرب ضدها بكل الأساليب والمؤامرات دون توقف حتى تمكنت من تنفيذ انقلاب 5 نوفمبر 67م الذي حمل إلى السلطة في صنعاء عملائها الذين ظلت تمدهم بالأموال سراً لزعزعة السلطة الثورية القائمة برئاسة المشير السلال ودعم الأشقاء  المصريين من جند عبد الناصر العروبة القومية التحررية الذي أرسل جيشه إلى اليمن لحماية الثورة اليمنية أمام الاعتداءات الإمبريالية المتكررة على الثورة.
وتنوعت الحروب الموجهة ضد الثورة من الخارج  بالجيوش العسكرية ومن الداخل بالمؤامرات والأموال والانقلابات، وبعد أن تعرضت مصر لنكسة يونيو 67م على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، فقد  تم الضغط على ناصر لسحب قواته من اليمن مقابل وقف السعودية لدعمها للملكيين، والتزمت مصر  بسحب قواتها في شهر أكتوبر 67م ، لكن السعودية  استغلت الموقف الناتج عن فراغ القوات المصرية المنسحبة من مواقعها في المناطق والمحافظات حتى هبت جيوش المرتزقة تجتاح المناطق   في طريقها الأخضر واليابس، كما استغلت ضعف القوات اليمنية التي كانت لاتزال في طور النمو، ولم يكن في العاصمة اليمنية سوى أقل من ثلاثة آلاف جندي من القوات من الصاعقة والمظلات والمشاة والمدرعات القديمة، وعدد محدود من بقايا طائرات روسية قديمة حصلت عليها اليمن قبل الثورة ميج 17 وميج 19 وعدد من الطيارين أقل من أصابع اليد الواحدة وفي المقابل فقد تجاوز أعداد المرتزقة الذين يزحفون لحصار العاصمة أكثر من مائة ألف مرتزق بينهم ثلاثون ألفاً من جنسيات مختلفة إضافة لثلاثة آلاف خبير عسكري بقيادة الجنرال الفرنسي بوب دينارد قائد المرتزقة الدوليين العامل لدى المخابرات المركزية والغربية، وهو المكلف بوضع خطة إسقاط العاصمة صنعاء   واجتياحها من أطرافها الشمالية الشرقية.
الجمهورية تتعرض للهجوم من الخارج ومن الداخل
كان الجناح الانتهازي في الجمهورية قد قام بأموال السعودية ودعمها بانقلاب 5نوفمبر، والفريق    حسن العمري الذي كان معتقلاً في سجن القاهرة بتهمة التخابر والتآمر مع المخابرات المركزية والبريطانية والسعودية ضد الثورة والجمهورية ومعه القاضي الإرياني والعقيد علي  الخولاني  والشيخ عبد لله الأحمر وعدد من ضباط البعث اليميني المعادي للخط الناصري القومي الثوري، وأصبح هؤلاء العملاء هم الحكام  للعاصمة التي تحيط بها جيوش الأعداء من كل جانب تطالبها إعلان الاستسلام ووقف أية مقاومة في وجه الغزاة، وإلا فمصيرها سيكون أسوأ من مصيرها في العام  48م حين استباحتها الجحافل الهمجية المتوحشة القبلية التي أبيحت لها بفتوى كهنوتية. لتقف صنعاء مجدداً أمام المصير المأساوي المظلم الذي أرادت السعودية أن تجعله ملاصقاً لحياة اليمنيين الذين يقولون لا للظلم والاستبداد والطغيان والاحتلال والتجزئة والمهانة والاستعمار. وخلال  الأيام الأولى من نوفمبر 67م استمرت المساومات بين السعودية وعملائها على الجانبين في داخل المدينة وخارجها. فالذين يحكمونها هم يحاصرونها وتسيل لعاب أطماعهم للاستيلاء عليها لوحدهم دون  مشاركة من عملائهم في الداخل. فأراد المحاصرون ثلثي السلطة وأراد الحاكمون المناصفة لصعوبة إقناع الجمهوريين بهذا العرض الذي دونه يكون القتال أفضل خيار، وكانت السعودية قد قررت أخذ  الكعكة  كاملة طالما ذلك صار ممكناً في ظل ضعف الدفاعات الجمهورية بعد أن كشفوا لها حقيقة القوة الصغيرة الموجودة للدفاع عنها والتي لا تساوي 1 إلى30 من القوى العددية.
نهاية نوفمبر 67م أكملت أطواق الحصارات من جميع الجهات بعد أن زحفت القوات الغازية إلى جميع الجبال المطلة على المدينة المنكوبة التي استبد بأهلها القلق والرعب من الاجتياح.
القادة القوادون الحكام، والشعب والجنود الوطنيون وصغار الضباط من أبناء الفلاحين والشقاة وعمال المطاعم وطلاب المدارس الشباب والمثقفين الثوريين أصحاب الفكر القومي الثوري اليساري أعداء الإمبريالية والرأسمالية، تلاميذ الحسين وعلي وماو تسي تونغ وجورج حبش  وناصر وسلطان أحمد  عمر ومالك الإرياني وصلاح جديد ويوسف زعين والأسد  ونايف حواتمة والشهاري والبردوني والمقالح وعلي عبد المغني ومحمد مطهر زيد وحاطوم وناصر السعيد وعبد الرقيب عبد الوهاب  وحمود ناجي والوحش وسيف الزجى  ومحمد صالح فرحان وعبود ووو،  هذا الخليط العجيب كان  يسيطر على المدينة من الداخل، كل المواقع التي سيطرت عليه في السنوات الأخيرة في مواجهة الرجعية أو التعاون معها سراً وعلناً تحت عناوين الدجل والتضليل العريض عن الأخوة الإسلامية  والعربية والشريعة والسنة الصحيحة.
من الداخل..
وضع الجمهورية الملتبس   المتناقض المخترق  في ظل الحصار 
كانت الجمهورية من الداخل تواجه مشكلات معقدة لا يمكن لأي دولة أن تبقى واقفة تتحدى ذلك الغزو والحصار الهائل والطويل والعدوان الحربي المتوحش.
جراء الانقلاب أصبحت جميع المناصب العليا في الحكومة والدولة والقيادات العليا للجيش من نصيب الجناح الانقلابي الموالي للسعودية والمتهافت لإرضائها وكسب ثقتها والحصول على حسناتها وهبات أوساخها، وكان هذا الجناح البيروقراطي العسكري القبلي والإقطاعي اليميني والكومبرادوري يطمح إلى الإسراع في المصالحة مع السعودية ومرتزقتها بأي ثمن وبأسرع وقت، فقد تم احتواء الثورة من داخلها بانقلاب سيطرت فيه العناصر المالية الكبيرة على القيادة وتم مطاردة القيادات الوطنية «المتشددة من أصدقاء الروس والمصريين والقوميين»، وحل محلهم المعتدلون الذين يمكنهم إنجاز تسويات ومناصفات سياسية ترضي الأطراف المعنية من ذوي الجاه والنسب أهل الحل والعقد، وتتوقف الثورة  ويتفرغ الناس لمصالحهم التجارية التي أعاقتها الحرب و»التشدد الحزبي اليساري»  المنتشر بين الأوساط الشعبية الدنيا والطبقات السفلى من «الأناس الطامعين بما في أيدي الأغنياء والمترفين القلة». 
هذه الجبهة الانتهازية الحاكمة كانت أجندتها أمام الحصار تعبر عن الطبقة العليا الارستقراطية   المالية والقبلية والبيروقراطية من بقايا كبار موظفي الإمام وكانت إصلاحية الميول لا تريد الجمهورية بل ملكاً على هواها: رأسمالي كومبرادوري يدع لها الحكم والاستيراد ويرفع معوقات التجارة ويفتح البلاد أمام الشركات الكبرى  للتنقيب عن الخيرات والمعادن والنفط، واسهامها معها  ومراضاة  الجيران شمالاً بالسكوت عن المطالبة بأي «مطالب قديمة وإرضاء الوجود الاستعماري جنوباً بالتخلي عن  المتطرفين المحاربين للإنجليز الجيران الذين  لهم الفضل في تحديث البلاد ونقل التعليم  الأوروبي والأنظمة القانونية، وتنشيط التجارة العالمية وتبادل المنافع بين الحضارات  والمدنية والسلم والانفتاح وقيم الحرية.!
هذه هي توجهات تلك المجاميع الانتهازية الخائنة، ولذا خانت وخانت وسلمت رقاب الإخوة لسياف الاستعمار، فانقلبت وخانت من الداخل، واشتركت في الحصار.