173 الف تلميذ في صعدة محرومون من القلم .. البندقية خيارا
صعدة .. ولادة مكابرة من رماد ثلاثين الف غارة




تشابه محافظة صعدة مرفأً للموت منذ أول طلعة لطيران العدوان السعودي الأمريكي على اليمن نهاية مارس الماضي، إذ أصبحت الحرب تجاه صعدة تحديداً انتقامية محضة بعد فشل تحالف العدوان في جعلها ممراً برياً لاجتياح الوطن وإسقاط العاصمة صنعاء. 
وتشير المعلومات الأولية إلى أن أكثر من ثلاثين ألف غارة نفذها العدوان على محافظة صعدة وحدها منذ بداية الحرب على اليمن أي ما معدله 111 غارة في اليوم، وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى معظمهم من النساء والأطفال، عوضاً عن الدمار الشامل الذي طال رقعة المحافظة  دون استثناء أو اعتبارات إنسانية.  فلا قواعد اشتباك أو مواثيق دولية أو حد أدنى من أخلاق الحرب في العدوان السعودي الأمريكي.
ومع تواصل الصمت الدولي المعيب يصرُّ العدوان على تحويل صعدة إلى محافظة للموت لا تخطو فيها قدم بشرية. فمنذ إعلانها «منطقة عسكرية» أوائل مايو الماضي، نفذ عمليات قصف كثيفة ضدها تُحت مسمى (السجاد المحروق أو الأرض المحروقة)، إذ لا تتجاوز المسافة متراً بين كل صاروخ ونظيره عوضاً عن آلاف القنابل المختلفة، تاركاً خلفه مدينة كاملة من الخراب، محيلاً مساحات الحياة إلى قفار، وأصبحت القرى والمدن أطلالاً هجرها مئات الآلاف من السكان، نزح بعضهم إلى محافظات أخرى في ظل ظروف لا إنسانية وانعدام للرعاية الصحية والمواد الإغاثية، فيما لجأ أكثر من نصف الأهالي إلى الملاجئ في الجبال والأودية بمعاناة أعظم من تلك التي يعيشها النازحون رغم إشراف منظمات الأمم المتحدة عليها.
صعدة المهملة من كل جوانب التنمية خلال الحكومات المتعاقبة منذ عقود، تضم 15 مديرية في ظل حصار مُطبق منذ إعلانها «منطقة عسكرية» إذ يقوم العدوان بمنع دخول الحد الأدنى من الأساسيات من مواد إغاثية ونفطية ومستلزمات دوائية هامة، وتبين المصادر أن مئات العدسات الحرارية التابعة للطائرات والأقمار الاصطناعية تقوم بالرصد المتواصل للحركة في المحافظة، حيث تباشر الطائرات استهداف كل ما ترصده العدسات من حركة، من بشر وسيارات مارة وناقلات إغاثة بعضها تابعة للأمم المتحدة كانت تنقل الحبوب للمحافظة.
وبحسب جهات الرصد فإن ما يزيد عن 12 سوقاً حيوياً استهدفها العدوان، كسوق (آل مقنع) عشية عيد الأضحى بمديرية منبه بـ 11 صاروخاً أودى بحياة 80 شخصاً و100 جريح مُخلفاً دماراً كلياً بالسوق من محال تجارية وورش مختلفة ومستودعات وممتلكات أخرى عدة. علاوةً على سوق «الطلح» بمديرية سحار الذي استهدفته الطائرات بـ 8 صواريخ راح ضحيتها 35 مواطناً وعشرات الجرحى عوضاً عمَّا حل بالمكان من خراب، وقالت المصادر الميدانية: إن السوقين تم قصفهما أكثر من مرة، كما استهدف العدوان أسواقاً في أماكن متفرقة كـسوق المنزالة  والملاحيط  والحصامة  والمشنق والمهاذر.
ويعتمد أبناء محافظة صعدة في دخلهم على الزراعة بالدرجة الأولى ثم يليها العمل الحرفي والتجاري، وهي البنية التي شرع باستهدافها حيث تعرضت الأراضي الزراعية بجانب المدن لآلاف القنابل والصواريخ المحرمة دولياً كاليورانيوم المستنفد (القنابل الفراغية) وسلاح النابلم الحارق والقنابل الفسفورية والعنقودية والانشطارية والكيماوية السامة، الأمر الذي أدى لتدمير مساحة شاسعة منها وتلويث المنتجات الزراعية والمواد الاستهلاكية إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة  في المحافظة لدى المواطنين بجانب ظهور حالات تشوه لدى المواليد حسب ما رصدته وزارة الصحة في المحافظة وهي نتاج لأسلحة  لا تزال في معظمها مواداً مجهولة التركيب.
ووفقاً لوزارة الصحة فقد دمرت الطائرات ما نسبته 90 بالمائة من مستشفيات صعدة كان آخرها مستشفى حيدان الذي يعمل فيه «أطباء بلا حدود» الرئيسي بكامل ما فيه من مستلزمات ومعدات طبية إلى جانب قتلى وجرحى من الأطباء والصحيين وكذا من المرضى والجرحى الذين كانوا في المستشفى لحظة القصف، علماً أن المشفى هو الوحيد لأبناء منطقة خولان غرب صعدة، حيث يلجأ إليه المواطنون من أكثر من عدة مديريات كرازح وغمر ومنبه وحيدان وساقين.
ويرى العدوان في محافظة صعدة كبرياء اليمن الذي لا بد من كسره لتحطيم معنويات اليمنيين ضمن محاولته قلب موازين القوى الاستراتيجية لصالحه، فتفوقه الجوي والتكنولوجي هو التفوق الوحيد الذي امتلكه، عوضاً عن كون القوات اليمنية المشتركة تمكنت من تحييد هذا التفوق، بينما الجانب اليمني تفوق في معادلتي المعنويات والزخم الشعبي الهائل وكذا الكم والنوع العددي المرافق لخبرة تراكمية طويلة في الحرب والحصار والتمويه والتكتيكات والتكيف.
          مراهنة العدوان
على النزوح
مع إعلان صعدة «منطقةً عسكرية» راهن العدوان أن يرى حشود المواطنين تنزح خارج المحافظة ما يتيح له تنفيذ مشاريعه دون مقاومة تذكر، إلا أن رهانه هذا تكسر على صخرة الصمود الأسطوري وتوجه معظم الأسر نحو الجروف والجبال، فضلاً عن اشتراك الغالبية في مهمات الإمدادات الجبهية، فواصل العدوان بكيدية استهداف البنية التحتية بالمحافظة، وأسواقها التجارية ومخازن الغذاء ومحطات الوقود والغاز، كتلك الواقعة في منطقة قحزة شمالي صعدة، ما أدى إلى احتراق مخزونها بالكامل بالإضافة إلى إتلاف حوالي 3000 أسطوانة غاز إضافة إلى عشرات المحطات في المحافظة، التي تمون الغاز والديزل من مصافي مأرب ومن ميناء الحديدة ، حيث لا وجود لمخازن استراتيجية في المحافظة، ما أدخل أكثر من 700 ألف مواطن في دائرة مأساوية وفيرة المعاناة.
وفيما تكثف الطائرات والمدفعية السعودية قصفها على المحافظة باطراد مع دق ناقوس الخطر من قبل الأمم المتحدة أكثر من مرة، التي اكتفت بتقارير وتصريحات مواربة في معظمها؛ يشهد الميدان واقعـــاً أكثر مأســــــــــاوية مــــع كل يوم يمر، حيث قامت السعودية بتدمير كافة محطات الكهرباء الحكومية والأهلية وكافة شبكات الاتصالات (آخرها في آل سالم) والطرق المؤدية إلى المحافظة في سبيل عزلها تماماً عما حولها، كما استهدف العدوان مشاريع المياه في المحافظة ودمرها بالكامل، ومن أهمها مشروع المياه بمنطقة الحمزات التي يسكنها آلاف المواطنين وكذا مشروع مياه مدينة صعدة إضافة إلى محطات أخرى في المحافظة تقدر بعشر محطات. كما طال العدوان إذاعة صعدة ومكتب الإعلام وقناة المسيرة ووكالة سبأ بالمحافظة.
وتفيد إحصاءات وزارة التربية والتعليم أن عدد المدارس والمراكز التعليمية التي استهدفها العدوان منذ بدايته  118 مدرسة منها ستة مكاتب حكومية تربوية ومخزن مركزي، الأمر الذي حرم 173000 طالب/ة من التعليم، وهي مدارس بسيطة تم إعمارها مرة أخرى عقب توقف الحرب السادسة على صعدة؛ لكن ذلك لم يمنع أعداداً كبيرة من الطلبة من مواصلة التعلم في الجبال والملاجئ الشعبية في صورة تحدي وبطولة يسطرها الأطفال في مواجهة الغطرسة السعودية الأمريكية التي لم تُفلح في ضرب معنويات الأهالي بل ازداد صمودهم وشموخهم مع تكثيف الاستهداف السعودي الأمريكي لهم.
جرائم إبادة جماعية
 ضد أبناء صعدة
ووفقاً للائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان فإن مليون مواطن في صعدة وحجة يتعرضون للإبادة الجماعية، فعشرات الأسر في المحافظة دفنت بالكامل تحت الركام كان آخرها الأسبوع الفائت أسرة المواطن عمار فارس بمنطقة مران مديرية حيدان المكونة من 7 أفراد وهم زوجته ووالدته وعمته وأربعة من أطفاله أصغرهم لم يتجاوز عمره عشرة أيام.
وراهن تحالف العدوان على صعدة ممراً له بجانب حجة وحرض لتنفيذ ما أعلنه في بداية عدوانه على اليمن، من تحشيد «130 ألف جندي» للسيطرة على العاصمة صنعاء خلال «عشرة أيام»، إلا أن خيبته المريرة انقلبت لعدائية شديدة حين لم يُجدِ صخب آلة الموت في إفزاع الأهالي ودفعهم لهجر مدنهم، وتضخم هذا العداء بانقضاء الـ 40 يوماً الأولى من العدوان إذ أفاق التحالف على المقاتل اليمني ينهي تثاؤبه اللا مبالي، ويباشر أولى هجماته بالأسلحة الخفيفة ومناوشات متقطعة كانت بمثابة سخرية أسقمت العدوان وعملاءه في الداخل.
ويعلم العدوان كما يعلم المقاتل اليمني، بأن القوات البرية للتحالف التي جلبها من حظائر متنوعة من العالم؛ لن تتمكن من الاحتفاظ بمواقعها المتمركزة في الجنوب، عوضاً عن تقدمها لاحتلال العاصمة. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن هذه الطروحات مجرد أوهام دعائية لا أكثر، إذ أن واقع العدو العسكري والمعنوي في وضع حرج جداً خصوصاً في الحدود، فما يتكبده يومياً من خسائر فادحة رغم الفوارق الواضحة في التسليح والتكنيك تجعله مُحاصراً بحجمه الفعلي، وعاجزاً عن صد تقدمات القوات اليمنية في العمق السعودي، الأمر الذي يفضي به إلى هستيريا في استهدافه محافظة صعدة وكذا حجة وحرض.
وبينما يشتد الحصار على الوطن كلما اتجهنا 

للشمال أكثر، لاتبدو المنظمات الحقوقية مبالية بالحصار وجرائم الإبادة الجماعية التي تعيشها صعدة فيما يبدو أنه تمييز لتراتبية في الإنسانية بين منطقة وأخرى في قاموس هذه المنظمات، إذ تظهر بيانات الإدانة والمناشدات تفاوتاً في منسوب الجرع العاطفية من منطقة إلى أخرى وتنتكس إلى حدها الأدنى الإنساني إزاء الأوضاع في صعدة وحجة.