عاصفة العربان تتحطم على جدار الفكاهة الشعبية
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان

م تقتصر المقاومة للعدوان السعودي الأمريكي، على العمل المسلح، إذ حشد اليمنيون كل ملكاتهم وقدراتهم في المواجهة، وغدت السخرية مزاجاً اجتماعياً يستخدمونه كنوع من المقاومة النفسية لتخفيف وطأة الجرائم الوحشية التي يرتكبها التحالف، كما هي مقاومة إعلامية لصد الشائعات المعادية والتزييف الإعلامي.
لطالما برع اليمنيون في صناعة النكات والسخرية، وغالباً ما يجعلون من الأحداث والصراعات السياسية نكتة أو رسالة نقد ساخرة تتسم بالكوميديا، ومع دخول العالم الافتراضي أتاحت تطبيقات التواصل الاجتماعي متنفساً للكثير بأن يرسخوا التهكم السياسي والسخرية كسمة بارزة لتناول الأحداث بروح مرحة، بعدما أصبح السياسي مستهلكاً.
يقول مالك المداني: (إن الكتابة الساخرة نافذة واسعة تستطيع من خلالها مخاطبة المواطن البسيط الهارب من سخط السياسيين ومنمقي الكلام الممل، وتمكنك من تحويل أي شائعة تهدف إلى تحطيم نفسيات المواطنين يروج لها إعلام العدوان، إلى دعابة وأضحوكة متقزمة مهما كان التهويل لها(.
ويتابع المداني - وهو كاتب ساخر - قوله: (إنها سلاح قوي في إرساء الصمود وعامل الثبات لدى المواطن اليمني، وذلك بتحويل ما يُشن ضده من حصار وحرب وتهويل إلى دعابة ونكتة)، موضحاً أنها ترفه عن المواطن وتعلمه بما يجري من أحداث تدور حوله.
الكتابة الساخرة كفن تتميز بالمرونة والقدرة على جذب اهتمام القارئ، إذ تمزج بين الأحداث والدعابة بشكل يستلطفه القارئ، وتكمن أهميتها في سهولة إيصال الفكرة إلى القارئ بمرونة وبخيارات متعددة، كما أنها تشد المعارض والمؤيد لقراءتها.
ويرى المداني أن هناك من يستغل الكتابة الساخرة ويجعلها عدمية بإخراج المواطن من الواقع وتخدير رؤيته للموقف الوطني، معتبراً الكتابة الساخرة فناً لابد أن يحمل هدفاً نبيلاً وسامياً، وأن يُوظف للدفاع عن الوطن.
يتسم فن الكتابة الساخرة بكونه نقداً لاذعاً وكثير التداول، وذلك لبساطة مفرداته وحميميتها مع المزاج العام، ولا يمكن شرح أو تفصيل التعبيرات السياسية الساخرة، فلها قدرة على تلخيص الرسالة الإعلامية أو السياسية في عبارات أو جمل بسيطة تشرح نفسها ويستلطف الجميع امتزاجها بالدعابة.
منذ الليلة الأولى للعدوان في 26 آذار الماضي، شرع اليمنيون بتلقائية يقاومونه بالسخرية، فعندما سقطت طائرة تتبع تحالف العدوان في مياه البحر الأحمر، تداول الشارع تأويلاً يعزو سقوطها إلى النعاس الذي سيطر على الطيّار (السوداني)، في إشارة إلى اعتقاد شعبي شائع يقرن الكسل بالسودانيين، ومثلها حدث عندما دخلت القوات السودانية إلى اليمن؛ حيث انتشرت تغريدة بأنهم التحقوا بخلايا القاعدة النائمة.
ومثلت حالة الزهايمر التي يعاني منها سلمان مادة ثرية للتناول الساخر، واتضح أن تناولها بشكل جاد لم يعد مجدياً، فمرة كان يسأل عن هوية الفارّ هادي وسبب عدم ارتدائه الزي السعودي كلما شاهده داخل القصر، وعلى غرار زهايمر عبدالله بن عبدالعزيز الذي أهدى ملعباً حديثاً في خطاب افتتاحه إلى (الشعب السعودي الشقيق)، أكد سلمان أن السعودية ستقاتل في اليمن (حتى آخر جندي مصري وباكستاني)، ليرد عليه السيسي بأنه مستمر في التحالف (حتى آخر ريال سعودي).
أما الطيَّارة الإماراتية مريم المنصوري فقد حازت على الحظ الأوفر من النكات والسخرية، حتى صار المواطن البسيط عندما يسمع صوت الطائرات يُبادر بالشتم واللعن لمريم، وعندما توقف القصف لأيام على صنعاء رجح المعلقون سبب ذلك أن مريم مصابة بالدورة الشهرية.
ابن سلمان كان محطةً للسخرية عند بدء العدوان السعودي، يوم ظهر منتعلاً (صندلاً) بين ضباطه مع (شماغ) وعباءة بيضاء، آخذاً بالاطلاع على الخطط العسكرية التي لا يعرف رأسها من كعبها، حيث قال عنه ناشطون إنه ورط المملكة بالعدوان على اليمن، وإنه وزير دفاع بمؤهل (بلايستيشن).
وتابع اليمنيون السخرية من مملكة بني سعود وجيشها، الذي يفر من الجبهات في مواجهة المقاتل اليمني، معتبرين أنه (جيش الكبسة والطحينية)، فيما تعددت أساليب تناول استعانة السعودية بالجيوش والمرتزقة الأجانب في حربها على اليمن، حيث أطلق البعض بيان استغاثة على لسان المملكة للبحث عن جيش أجنبي يقاتل معها في اليمن.
وكتب الصحفي محمد عايش على صفحته في الفيس بوك: (فين يبيعوا جنود سنغال؟؟ أشتي كتيبة والا ثنتين لحماية صفحتي ومنشوراتي من التعليقات البذيئة.. طيب من كم أسعار )المقاومة( هذه الأيام؟؟ احتياطاً بس لو كان سوق السنغال قد غلق).
فيما كتب آخر متهكماً من الجيوش الخليجية: (بعد أن ينتهي جنود الإمارات في اليمن سوف يتغير اسم الإمارات الى دولة المرملات العربية المتحدة).
أما عن التحالف الإسلامي الذي أعلنته السعودية فتنوعت التعليقات الساخرة في شكلها، لكنها تفيد معنى واحداً أن هذا التحالف هو ترسيم لنشاط داعش على المستوى الدولي، إذ قال أحدهم: (انضمام الدولة الإسلامية في الشام والعراق) داعش ( الى التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب). فيما علق عايش: (إنشاء السعودية تحالفاً لمكافحة الإرهاب، يشبه إنشاء صُنّاع السجائر تحالفاً لمكافحة التدخين، لا يحتاج العالم من مصنعي السجائر إلى جهود لمكافحة التدخين؛ عليهم فقط إغلاق مصانعهم).
وعلق مالك المداني: (غدوة التحالف الإسلامي لا هو يشتي هدنة عيكن يقل ((حسبك))..!)، مشيراً بذلك إلى أن المملكة السعودية تريد التغطية على عدوانها بالصبغة الدينية.
لا تهدف الفكاهة الشعبية والتعليقات الساخرة فقط للنيل من دول العدوان، بل إنها تدعم بطولات الجيش واللجان الشعبية، بشكل فني لا يخلو من الدعابة والتنكيت، حيث كتب مازن هبة عن الصواريخ اليمنية التي لم تستطع منظومة الدفاع السعودية (باتريوت) صدها: (يا خبرة شكل صواريخنا بتوصل عند الباتريوت وتنفخ بالبردقان لاوجهه)، وعن تطوير صاروخ سام2 إلى قاهر1 قال: (يلاحظ أن قاهر1 بيلاحق الطائرات يعني عاده على الطبيعة الأولة وهو سام2 ، لكن الآن قده بيستهدف المطار بكله مش إلا الطائرة). وكتب آخر يشيد بقدرة الجيش على اختراق الحصار الجوي الذي تفرضه دول العدوان: (ماتزال مقاتلات العدوان تبحث عن المنصة التي أُطلق منها صاروخ توشكا، قولوا لهم قد حاسبوا صاحب القلاب ورحله).
نكتة أخرى تدور حول اتصال هاتفي بين قائد سعودي وزوجته حيث تسأله: كم سيطول غيابك في اليمن؟! فيرد: حتى ندخل صنعاء وصعدة، فتتهكم عليه قائلة: إذن سيكون عليَّ أن أتزوج بآخر!
فيما عرض كاتب سعودي يُدعى دحام العنزي 250ألف ريال سعودي لمن يأتيه برأس محمد القيرعي ممثل المهمشين اليمنيين على خلفية وصف الأخير للخليجيين بأنهم يفتقرون للرجولة كما تفتقر الأمم المتحدة للمصداقية في مناظرة على قناة روسيا اليوم، وطالب محلل خليجي آخر (فج عطان) بتسليم نفسه لدول التحالف لتجنيب صنعاء الدمار، وأرجع ناشطون ذلك إلى مفعول (الحشيش) حد تعبيرهم.
مع بدء الخيارات الاستراتيجية والعمليات العسكرية من ما وراء الحدود، نشر الإعلام الحربي صورة إحدى الآليات السعودية وهي مقلوبة رأساً على عقب، فشاعت النكات حولها، وقال أحدهم بأنها حين رأت المُقاتلين اليمنيين انقلبت على ظهرها وادعت أنها ميتة، وآخر أن اللجان الشعبية أعطوها (بردقان).
تعددت نكات ما وراء الحدود، حيث علق ضيف الله الشامي ساخراً على صورة ديك التقطت أمام آلية سعودية محترقة: (بعد الفحص والتدقيق عن أسباب صمود) الديك ( اتضح أنه من أبوين يمنيين). فيما انتشرت صورة حمير أمام مركز القوات العسكرية في جيزان بعد فرار الجنود السعوديين، ليبدو كأن الحمير هي القوات السعودية.
يصف الكاتب جورج أورويل النكتة السياسية بأنها (ثورة صغيرة)، وذلك لأنها تنشأ في وقت الأزمات، أما عالم النفس الشهير فرويد فيرى فيها تعبير الشخص المكبوت عما في داخله، فهي صيحة غضب على أرض الواقع، ولها ارتباط وثيق بالثورات والحروب.
وإذا ما أرادت النكتة أن تحمل روح الخلاص -حسب تعبير غورباتشوف الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي سابقا، وهو يعلق على حالة بلاده أيام السوفييت- فيجب أن تكون مساراً سياسياً واجتماعياً ضاغطاً، ومنهجية مقاومة ناجحة؛ إذ إنها محطة مقاومة وليست كل المقاومة، حتى لا يهيمن العدم وينجو الاستبداد.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان