جاءت دعوة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي للقاء الـ10 من رمضان، في ظل ظروفٍ وطنية حساسة وتطورات وتحديات تواجهها الثورة اليمنية والوطن الصابر المكافح بوجه العدوان الذي تضافرت فيه مؤامرات الإمبريالية والاستعمار على مستوى دولي، تلهث لتفكيك الوطن وتمزيقه.. وإننا أمام تحديات كبرى تقف أمام مسيرة نضالنا، وأمام مسيرة نضال المجاهدين في الثورة اليمنية من لجان شعبية وجيش، وأمام كافة أبناء الشعب اليمني المدافعين عن الأرض والثورة التحررية الوطنية لتحرير الوطن من الاحتلال ولاستعادة السيادة ولينعم الشعب اليمني بالاستقلال والكرامة والحرية.
إن هذه المطالب والأهداف الكبرى تضع أمامنا الكثير من التحديات التي يطرحها العدوان ومرتزقته وعملاؤه في الداخل، ومنها التحدي الاقتصادي والسياسي والتحدي الأمني والعسكري، حيث الإمبريالية العالمية تحاول استخدام كافة احتياطاتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية لتجويع الشعب لتركيعه، ولاسيما باستغلال سيطرتها على الاقتصاد العالمي وإمكانياتها المالية الكبيرة والنفطية التي تسيطر عليها في بلدان وشعوب (العالم الثالث)، وعبر المركز النفطي الإمبريالي في الجزيرة والخليج الوكيل للمصالح الاستعمارية، واضعاً ما كدسه من أموال البترودولار -بمليارات الدولارات- تحت تصرف الإمبريالية الأمريكية ومركزها الغربي، وتحويلها إلى ماكينة الصناعة العسكرية الممولة لحروب أمريكا ومناوراتها ومشاريعها ضد الشعوب المكافحة والتحررية، وتمول بها الاعتداء والتدمير والتمزيق والحصار الخانق الذي يواجهه الوطن اليوم.
وأتت أهمية اللقاء لوضع مختلف التحديات أمام القوى الوطنية القائدة للمعركة الوطنية والشعبية في مختلف الجبهات وأمام الشعب نفسه.
ولا شك أن ظروف العدوان والتحديات الدولية قد وضعت الكثير من المصاعب أمام القيادة الوطنية، والتي تستوجب مراجعة الجهود وتحليل المشكلات والتحديات.. وإشراك الجماهير الشعبية في هذه القضايا هو أهم مدخل من مداخل السلطة الثورية لتجاوز المشكلات التي يطرحها العدوان.
وهذا اللقاء الشعبي هو أحد هذه الأشكال التي يمكن للجماهير وللعقلاء والحكماء من خلالها طرح الكثير من الحلول التي تقود إلى وحدة الصف الوطني حول كلمة واحدة، وفي ضوء تقييم الأداء، وما الذي أنجز ولم ينجز، وما يمكن تطويره أو تعديله، ومعالجة الاختلالات والأخطاء والتصدي لها بشجاعة وصدق ونزاهة ومروءة، ودون الالتفات للانتماء الحزبي والسياسي، من أجل الهم الأول والرئيس: الوحدة الوطنية ورص الصفوف وصمود الجبهات، وذلك بمعالجة القضايا المتعلقة بهذه المسألة المحورية والجهورية.
ومن القضايا الهامة التي تواجه الجبهة الداخلية هي المشكلات التي توجد في المسار الحكومي والإداري، والتي يجب مواجهتها بصدق ونزاهة بغض النظر إلى الانتماءات، والمسألة الثانية والأساسية، ألا تُرسخ الحكومة والأداء الحكومي تقاسم سلطة سياسية بين مكونات سياسية، فنحن في ظل حرب، ولسنا في ظل لحظة عادية حتى تقسم الحكومة وفقاً لعلاقات التحالفات، والتي هي علاقات مطلوبة وضرورية؛ لكن الأصل أن يكون هذا التحالف دوره إدارة حرب وطنية ناجحة ضد العدوان، بمعنى أن تأتي الحكومة لتلبي حاجة الوطن والجبهات. ولذلك على الحكومة أن تعكس هم الجبهات في الأساس، لأن الشرط الرئيسي للإنقاذ هو أن تكون الجبهات في مستوى يسمح بتحقيق انتصارات على المستويين الداخلي والخارجي، وخاصة في المجال التمويني والمرتبات.
وهناك مشكلات في مسألة المرتبات، لكن التعاطي معها هو تعاطٍ فيه الكثير من القصور؛ فقضية المرتبات حساسة جداً، بل هي رهان الاستعمار لإذلال الشعب اليمني، ويعمل لتفجير البنية الداخلية عن طريق خلق بنية شعبية كبيرة تواجه الجوع ولا تجد الحلول اللازمة.. هذه النقطة التي يجب التركيز عليها بدرجة أساسية، وإن تم حل هذه المشكلة فسوف نخرج إلى أفق أوسع، وسنخرج من حالة الحصار التي يحاول العدو أن يضعنا فيها.
ونلاحظ طريقة سلبية حول قضية المرتبات والرد حول تساؤل (أين المرتبات؟)، وهو أنها لدى هادي! وهذا منطق سلبي، رغم أننا نعرف أن هادي والمجتمع الدولي تآمرا على المرتبات وعلى البنك، لكن الحل ليس القول إنها لدى هادي وحسب.. إذ يتوجب أن يكون لنا بدائل للخروج من هذا الابتزاز الرخيص.
إن الخيارات ليست معدومة، بل موجودة، فهناك خيارات يمكن أن تكون من أقصى الإجراءات الثورية، ويمكن إجراءات نظامية. ومن ضمن هذه الإجراءات يمكن الإقدام على خطوات وعقوبات في مواجهة القوى العميلة الهاربة بوضع ممتلكاتها تحت تصرف الشعب والحكومة، وتكون واحدة من هذه الموارد التي تدر الثروات التي تحتاجها السلطة. كما أنه من غير المعقول أن تدفع حكومة محاصرة مرتبات للذين يحاصرونها ويقاتلون شعبها.
ومن غير المعقول أن تدفع الحكومة مرتبات لوهميين! ونحن نعرف أننا أخذنا من النظام السابق قضية كبيرة جداً هي قضية المزدوجين في الوظائف العسكرية والأمنية، وكانت تشمل أكثر من ثلث مليون شخص ربما، وهذه نقطة رئيسية يجب أن يتجه الأطراف الوطنية إلى حلها، لأن بقاء موضوع المزدوجين يشعر الناس أنه يوجد تحالف في ما يتعلق بحقوق الشعب، أو أن هناك تحالفاً بين الثورة والفساد..
لقد آن للثورة أن تظهر وجهها القوي والحازم، والتحالف لا يكون حقيقياً إلا مع الوطنيين المستعدين أن يدافعوا عن الوطن.. لذلك نريد أن تتركز لدى الحكومة الاهتمام، وأن تعكس مطالب الجبهات وحس الجبهات وروح الجبهات، وأن تكون الحكومة حكومة جبهات، حكومة مقاتلة تلبس الكاكي، وتقوم بثورة ضد الروح الاستهلاكية القديمة في الإدارة التي تكلف الكثير من النفقات لأداء عملها في وضعها البيروقراطي السائد، وأن تقلل من كافة النفقات الفائضة، ونعتقد أنه سيكون هناك ولو حد أدنى توفره الحكومة من الدخل للفقراء والمساكين والجنود والمكافحين. وشعبنا مستعد لأي إجراءات حتى لو أن نتقاسم الخبز وحتى نشارة الخشب بالميزان الواحد، لكن للجميع.
ومن موقعي كمواطن ووطني ثوري اشتراكي ضد العدوان جزء من قوى الثورة الوطنية وجزء من قوى الجبهات المضادة للعدوان، أدعو لأن تستمر هذه الفعاليات الشعبية، وألا تكون مجرد مناسبات سنوية, فعليها أن تتحول إلى نوع من البرلمان الشعبي الذي يراقب الحكومات ويراقب الأداء ويقدم الأفكار الجديدة، وتشعر الجماهير أنها فعلاً تسهم في صياغة نفسها ومستقبلها وحل مشاكلها وسيادة نفسها، وهذه النقطة مفقودة الآن إلى حد ما، وهي نقطة شعور الجماهير بالمشاركة في صناعة قرارها وإدارة وطنها الذي تدافع عنه بصلابة، وإذا لم نقدر أن نعطي الشعب حقوقه المادية، فيجب أن نعطيه حقوقه الروحية والفكرية والسياسية، وأن يشعر بأن السلطة سلطته، والفكر فكره، والحكومة حكومته، وبالتالي يجب أن يكون هناك برلمان شعبي دائم، كنوع من التنظيم الشعبي الدائم في كل المحافظات والمديريات والأحياء، ويجب أن تنزل الثورة إلى كل شارع وبيت، وهذا التنظيم هو الذي يقضي على الانقلاب الداخلي والطابور الخامس، وهو الذي يجعل الصعوبات قابلة للفهم عندما تكون صعوبات حقيقية، وهو الذي يقطع الطريق على المؤامرات الداخلية والتحريض والنفخ فيها، وتحسير ثورة جوع التي تستغلها قوى الثورة المضادة التي هي سبب تجويع هذا الشعب وتجتهد لتفكيك الوضع الداخلي.. وهذا لا يعني أننا نقبل الممارسات السلبية التي ممكن أن تكون في البيروقراطية الإدارية، ولذا على الثورة أن تنتقل لتطهير الجهاز الإداري، ويجب أن يكون هناك اتفاق بين كل الاتجاهات أن الجهاز الإداري القديم عليه أن يبقي فيه الوطنيون الشرفاء النزهاء، أما الذين امتلأت بطونهم بالأموال المنهوبة والأموال العامة والخيانات، فيجب ألا يبقوا، وفي كل مؤسسة يجب أن يكون هناك مؤتمر شعبي أو برلمان مصغر يتم من خلاله تقييم من قبل الناس لهؤلاء القيادات أو الكوادر، وبدء عملية الفرز بين الشرفاء واللصوص..
لكن يجري الحديث عن الفساد في كل مكان دون أن نقدم على خطوات فعالة عملية، وإما أن نذهب للإنكار بشكل نهائي، وهذا خطأ تماماً، أو نتحرك خلف الدعايات، وهذا خطأ فادح كذلك. وعلى الحكومات أن تعرف أن هناك فساداً وتقوم بتطهيره، وهذا ليس كلاماً محدداً لحزب أو مكون معين، فهذا الفساد كان أشبه بموروث اجتماعي لدى الشعب، أي أن المجتمع كان قد ورث فساداً وأخلاقيات سلبية، ورثها له الاستعمار منذ الاستعمار العثماني والبريطاني منذ قرنين، وليس من العهد الجمهوري أو من العهد الإمامي، وإنما من العهد التركي الذي أسس للإدارة والحكومة، وهو موروث النظامية للعهدين التركي والبريطاني.. ولا يجب أن نعتقد أن الاستعمار البريطاني والتركي قد انتهى، لا، بل أبقى الكثير من ثوابت هذا الفكر والنظام، بل الكثير من الأشخاص المتوارثين، وما زالت تعمل وتعبث في جسم الوطن والدولة.
وهذا كله يتطلب أن يوجد فينا صراحة وصدق ونقد للذات، والحركة الوطنية بشكل عام قد ارتكبت الكثير من الأخطاء. فعلينا أن نندفع للتحالف الوطني ضد العدوان بدون تحسس، ودون اعتباره سياسة مؤقتة، فلسنا أمام قضية سياسية، وإنما في قضية وطنية كبرى تلزم الجميع من الاتجاهات الوطنية بالدفاع عن الوطن، وأن يقبلوا التحالف بصدق ونزاهة، وكل طرف يقدم ويعترف بأخطائه وزلاته وقصوره.. هذا سيكون بمثابة مراجعة تاريخية ونقد للماضي من أجل تصحيح الوضع الحاضر والبناء للمستقبل على قاعدة سليمة عرفت الإشكاليات وعالجتها وتخلصت منها، وهكذا هي الثورة ومسارها الذي أرادت الإمبريالية بعدوانها أن تلجم مساره وتخنقه، ونحن يجب أن ندفع للعكس تماماً.

@ كاتب ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني